إنه فبراير شهر الحب. يقول علماء الاجتماع أن الحب والسياسة هما أهم موضوعين وأكثر موضوعين يحب الناس التحدث بشأنهما، ولهذا أحياناً يلجأ البعض من راغبي التأثير في الرأي العام للمزج بين الموضوعين ليجعلوا أحاديثهم، مهما كانت تافهة أو مغرضة، أكثر إثارة وجاذبية للجمهور المتلقي، وينطبق ذلك بشكل خاص على مروجي الشائعات عبر منصات التواصل الاجتماعي المختلفة.
في الأسبوع الماضي، وجدت اسمي حاضراً وبقوة في حملة تشهير على تويتر استعانت بهذه الوصفة السحرية بالضبط، حيث قام مروجيها بالخلط بين موضوعي الحب والسياسة لتشويه سمعتي والتشكيك في مصداقيتي، ضمن حملة تشويه أكبر تستهدف وزير الدفاع التركي خلوصي أكار. ولم يكن مفاجئة بالنسبة لي أن اكتشفت لاحقًا أن الحملة ضدي شنها مغردون من اليونان.
عشية اكتمال إجراءات انتخاب السلطة التنفيذية الجديدة في ليبيا، قمت بنشر تقرير تحليلي طويل يناقش مستقبل التدخل التركي في ليبيا، بعد تنحي حكومة الوفاق الوطني وتولي الحكومة المنتخبة الجديدة، حيث كانت حكومة الوفاق الوطني، هي من فتح الباب أمام تدخل تركيا في ليبيا، عام ٢٠١٩، وهي التي وقعت مع تركيا اتفاقيتين عسكرية وبحرية، قضت محكمة ليبية الشهر الماضي ببطلانهما، وكان وما زال مهندس عملية التدخل التركي في ليبيا هو وزير الدفاع التركي خلوصي أكار، والذي نجح في وقت قياسي في خلق وجود قوي لتركيا داخل ليبيا برغم كل ضغوط المجتمع الدولي، مما عاد على تركيا بفائدة كبيرة في تحقيق مصالح أخرى لها في المنطقة، من ضمنها مثلاً أن منح تركيا نفوذ نسبي في صراعها التاريخي مع اليونان حول حقوق قاع البحر في شرق المتوسط. وبالتالي فإن نهاية عمل حكومة الوفاق يعني أن مصالح تركيا وطموحاتها المستقبلية في ليبيا قد أصبحت في خطر. هذا ملخص تقريبي لما نشرته في التقرير التحليلي الطويل المشار إليه، والذي كان عنوانه "معضلة خلوصي أكار في ليبيا".
بعد ساعات قليلة من نشر رابط التقرير على منصة تويتر، وجدت عشرات التغريدات من حسابات عشوائية مجهولة الهوية، كلها تكتب باللغة الإنجليزية، تذكر اسمي. بعض هذه التغريدات كانت تنشر أيضاً رابط التقرير، إلا أي منها لم يناقش موضوع التقرير نفسه، وفي الحقيقة أشك في أنهم قرأوه أصلاً، وكانت كل التغريدات تكرر نفس الرسالة بصياغات مختلفة، وكانت الرسالة عبارة عن ادعاء سخيف إلى حد الضحك عن شخصي، وهو أني وقعت في غرام خلوصي أكار والحب الذي يغمرني تجاهه قد أثر على قدراتي في التحليل السياسي.
في البداية، اعتقدت أن هذه مزحة سخيفة، وحاولت الرد على بعض المغردين الذين ينشرون هذا الكلام، في محاولة بائسة مني لفهم من أين أتوا بمثل هذا الافتراض الغريب، واستغرقت معهم في محادثات واهية أشبه بمحادثات المراهقين في المدرسة الثانوية حول المعلم المثير الذي تعجب به الفتيات. ولم يجيبني أحد منهم بشكل مقنع عن ما الذي ورط أسمي في هذا الهزل، الذي استمر ثلاثة أيام كاملة، من الادعاءات والتهكم، مما اضطرني إلى الاستعانة بصديقين خبيرين.
اكتشف صديقي الأول، وهو خبير في خوارزميات تويتر، أن تسعين بالمائة على الأقل من الحسابات، التي كانت تغرد بهذه الشائعة السخيفة، هم من اليونان، وأن عدد كبير منهم عبارة عن روبوتات إنترنت. ولم يكن ذلك مفاجئا بالنسبة لي، فكلنا يعرف أن اليونانيين يكرهون خلوصي أكار بشكل خاص، وتركيا بشكل عام، بسبب التاريخ الطويل للصراعات بين تركيا واليونان. لكن ما علاقة هذا بي أنا كباحثة مصرية كتبت تقرير عن مستقبل التدخل التركي في ليبيا؟ أعطاني صديقي الثاني، وهو عالم أنثروبولوجيا، الإجابة عن هذا السؤال في صورة تحليل مثير وعجيب حول الحروب القائمة منذ العام الماضي على تويتر بين تركيا واليونان.
أوضح عالم الأنثروبولوجيا أن نشر الشائعة القائلة بأني مغرمة بخلوصي أكار، بواسطة اليونانيين، لم يحدث بالصدفة عبر تغريدة عشوائية أو مزحة سخيفة ثم انتشرت على نطاق أوسع، ولكن كانت هذه حملة منظمة تماماً قام بها اليونانيون، وأنا لم أكن أول ضحية لهم. أي شخص يكتب شيء إيجابي أو محايد عن تركيا، أو عن خلوصي أكار على وجه الخصوص، يقع تحت رقابتهم ثم يهاجمونه بحملة إليكترونية تستهدف تشويهه بشكل شخصي، من أجل أولاً التشكيك في مصداقية ما يكتبه وينشره، وثانياً إجبار الضحية على ممارسة رقابة ذاتية على نفسها تمنعها من معاودة الكتابة حول هذا الموضوع في المستقبل، وبالتالي يبقون هم وحدهم المسيطرون على ما ينشر بشأنه.
ويبدو أن المغردين اليونانيين لم يجدوا ما يشوهوني به إلا هذا الادعاء المضحك. فأنا مصرية، والخلاف السياسي القائم منذ سنوات بين مصر وتركيا، سيجعل من الصعب عليهم الادعاء بأني منحازة لتركيا، أو أن خلوصي أكار يدفع لي المال لأكتب ما كتبته عنه. وكذلك لم يمكنهم حتى الادعاء بأن حسابي وهمي أو أنه حساب عشوائي على تويتر، بسبب سمعتي المهنية. لهذا، مع الأسف، لم يكن أمامهم إلا اللجوء لهذا الادعاء السخيف بأني مغرمة بخلوصي أكار، من أجل تشويه سمعتي وإثارة الشكوك حول مصداقية التقرير الذي نشرته.
بقدر ما كانت هذه التجربة ساخرة، إلا أنه أحزنني أن يلجأ المغردون اليونانيون لاستخدام كلمة عظيمة ومعنى عظيم مثل الحب، للهجوم على شخصي، ضمن حربهم القائمة ضد خلوصي أكار. إن الحب مشاعر رائعة وراقية تربط بين البشر لا تفرقهم، ولا يصح أبداً أن يتحول الحب إلى أداة حرب، لا في الواقع ولا في العالم الافتراضي. ربما لا تكون هذه هي أفضل قصة يمكن أن تقرأها في عيد الحب، لكن كان عليّ أن اتشارك هذه التجربة النادرة مع العالم، لباحثة مصرية وجدت نفسها، بقدرة قادر، طرف في حرب، موضوعها الحب، بين الأتراك واليونانيين، على منصة تويتر.