التقى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بالمرشحين الرئاسيين الأمريكيين هيلاري كلينتون ودونالد ترامب، على هامش مشاركته في الجمعية العامة للأمم المتحدة، الأسبوع الماضي. وقد أثار اللقاءان ردود أفعال واسعة في الصحف المصرية والأمريكية، حيث استغل أغلب المحللين الأمريكين هذه الفرصة لتقييم رؤية المرشحين الرئاسيين بشأن سياسة أمريكا الخارجية، باستثناء صحيفة "واشنطن بوست" التي استغلت مناسبة اللقاء كفرصة للهجوم على الرئيس المصري، كالعادة. لكن مقال الـ "واشنطن بوست" هذه المرة قد تجاوز حدود المعقول.
وصفت افتتاحية واشنطن بوست، الرئيس السيسي بأنه "ديكتاتور" أتى لحكم مصر عبر "إنقلاب عسكري"، وأنه حالياً "يدس في جيبه" أموال طائلة تعطيها له الحكومة الأمريكية في صورة مساعدات. وكم أتمنى أن يكون المجلس التحريري الذي يكتب الافتتاحية والمكون من أمهر وأقدم كتاب الصحيفة قد ساق هذه الاتهامات الباطلة في حق الرئيس السيسي من باب الجهل بالحقائق وليس متعمداً.
أولاً، وصف الرئيس السيسي بأنه ديكتاتور هو ظلم بيّن، وإهانة للشعب المصري الذي سبق وأسقط "ديكتاتورية" مبارك و"إسلامية" الإخوان، سعياً وراء التطور الديمقراطي الذي لم نشهد بوادره إلا عندما أتى الرئيس السيسي للحكم بأغلبية ساحقة تجاوزت 97 بالمئة من المصوتين، كما أن الرئيس السيسي لم يقضي في حكم مصر حتى اليوم سوى عامين بالكاد، أي نصف المدة الأولى، ويتمتع بدعم شعبي واسع، ويمارس سلطاته تحت سيادة القانون التي يكفلها الدستور، في دولة بها مؤسسات مستقلة وبرلمان يتمتع بصلاحيات أعلى من صلاحيات الرئيس نفسه. وهو الذي سبق وساند المصريين في ثورتين، عندما كان قائداً عسكرياً. فأي ديكتاتور هذا الذي تتحدث عنه الـ "واشنطن بوست"؟
ثانياً، أموال المساعدات الأمريكية تمنح لكلٍ من مصر وإسرائيل وفقاً لاتفاقية كامب دافيد، والمبلغ الذي يذهب لإسرائيل من هذه المساعدات هو ضعف ما تحصل عليه مصر، وهي مساعدات تمنح للجيش وليس لرئيس البلد، من أجل تطوير القدرات العسكرية والمساعدة في التنمية الاقتصادية بشكل عام، ولا يستطيع الرئيس في مصر أو إسرائيل أن يضع هذه الأموال في جيبه حسب إدعاء الصحيفة أو حتى يوجه صرفها إلى أغراض خاصة أو عامة غير تلك المخصصة لها.
ثالثاً، كم كنت أتمنى أن تستهلك الـ "واشنطن بوست" المساحة التي خصصتها للهجوم على الرئيس السيسي، في دراسة سبل تفعيل الرسالة الهامة جداً التي قدمتها المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون للرئيس السيسي في لقائهما، بشأن تطوير حالة حقوق الإنسان وتشجيع المجتمع المدني على العمل. وطبعاً أن لم أقصد هنا أن تلجأ الـ "واشنطن بوست" للكلاشيهات التي يرددها الإعلام الغربي عن ضرورة "الضغط" على مصر من أجل ملف حقوق الإنسان.
مصر ليست بحاجة إلى مزيد من الضغط، ولو أن أمريكا صادقة في نيتها لإحداث تطور ديمقراطي حقيقي في مصر، فعلى الرئيس الجديد للولايات المتحدة أن ينظر في وسائل لمساعدة مصر للتخلص من الضغوط الاقتصادية والسياسية والأمنية التي تثقل كاهلها منذ ثورة يناير، لأن هذا هو السبيل الوحيد لتمتع المواطنين بحقوقهم.
لقد كان الشعار الرئيسي في ثورة يناير، قبل خمسة أعوام، هو "عيش، حرية، عدالة إجتماعية" وهو شعار يلخص تماماً أولويات المصريين، وينعكس بشكل عملي في الاستراتيجية التي يتبناها الرئيس السيسي من أجل بناء ديمقراطية حرة في مصر. فقد وضع المصريون "العيش" كأولوية لأن الأمن من الجوع والخوف هو الضمانة الوحيدة للحرية.
والواقع يقول أنه ليس بيد الرئيس السيسي أو غيره أن يمنح المصريين حقوق أو حريات، الحقوق والحريات تكتسب ولا تمنح. واجب القيادة السياسية فقط أن يهيء للمواطنين المناخ الذي يستطيعون فيه التمتع بالحقوق والحريات التي أكتسبوها عبر كفاحهم السياسي لسنوات. وهذا بالضبط ما يقوم به الرئيس السيسي من خلال تبني استراتيجية تدعيم وضمان الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والقيام بمشروعات تنموية تضمن "العيش" و"العدالة الاجتماعية" كإطار تزدهر في ظله حقوق وحريات المواطنين.
أما السؤال المهم الذي يطرح نفسه اليوم، بينما يتطلع العالم لاستقبال رئيس أمريكي جديد، هو: هل يمكن للرئيس الأمريكي الجديد أن "يتفهم ويساعد" مصر من أجل تحقيق التطور الديمقراطي المنشود وفق رؤية رئيس مصر وأولويات احتياجات شعبها، أم أنه سيفعل كسابقيه ويستسهل "الضغط" على مصر من أجل اتباع نموذج أمريكي جاهز؟ وحدها الأيام القادمة تحمل الإجابة.