أحتفل العالم هذا الأسبوع باليوم العالمي للديمقراطية، وأختارت الأمم المتحدة أن يكون موضوع هذا العام هو تعزيز دور المجتمع المدني في دعم وبناء الديمقراطية، وهي فرصة لتذكيرنا بأهمية دور المجتمع المدني في المرحلة الصعبة التي تمر بها مصر، فما من دولة استقام حالها واستقرت بدون مجتمع مدني قوي وقف خلف الدولة وساندها في مشروعاتها التنموية، وراقبها ونصحها فيما يخص قرارتها السياسية وأداءها الحكومي.
وهي أيضاً فرصة لتذكير العاملين بالمجتمع المدني بأهمية عدم إهدار هذا الدور سعياً وراء طموحات سياسية، فقد أزعجني ترشح أسماء كبيرة من المجتمع المدني لخوض الانتخابات البرلمانية ضاربين بعرض الحائط كل تاريخهم الحقوقي والتنموي، فكما أن خلط السياسة بالدين أمر مرفوض لأنه يضر ببناء الديمقراطية، كذلك فإن خلط العمل السياسي بالنشاط المدني أمر يهدد بنسف منظومة الدولة الديمقراطية السليمة.
صحيح أن هؤلاء السادة، ولهم كل الأحترام، لم يخالفوا نص قانوني بالخلط بين العمل السياسي والنشاط المدني، حيث لا يوجد في مصر قانون يجرم الخلط بين الأمرين على الأفراد، وكل ما لدينا هو نص دستوري وبعض نصوص بالقوانين المنظمة لعمل المجتمع المدني تحظر تدخل المنظمات أو الجمعيات الأهلية أو استغلالها في أي نشاط سياسي. لكنهم بكل تأكيد خالفوا أحد أهم أعراف الممارسة الديمقراطية.
حيث أن السياسي هو شخص يسعى لنيل سلطة، ويحق له في سبيل ذلك أن يتخذ من معارضة النظام أو الحكومة سلماً لتحقيق هدفه. بينما، الناشط المدني، التنموي أو الحقوقي، فهو شخص مهمته أن يتعاون مع الدولة والحكومة ويكمل عملها ويساعد صناع القرار على اتخاذ القرارات السليمة من خلال مراقبتهم وتقييم أدائهم ثم نصحهم، ولكي ينجح في ذلك يجب أن يكون هذا الناشط المدني محياداً تماماً بلا أي تحيزات أو تحزبات أو طموحات سياسية أو دينية أو اجتماعية قد تؤثر على تعامله مع المواطنين من كل الخلفيات أو تثير الشبهات حول تعامله مع أجهزة الدولة المختلفة لتحقيق أهدافه التنموية أو الحقوقية.
فكيف إذاً يمكن لنفس الشخص أن يكون سياسي معارض وفي نفس الوقت يتعاون مع الحكومة التي يعارضها ليحقق التنمية التي يبتغيها، أو يكون سياسي صانع قرار وفي نفس الوقت يقوم بتقييم نفسه ونصح نفسه فيما يخص القضايا الحقوقية.
الخلط هنا سبق وأن دفعت مصر ثمنه باهظاً عندما كانت غالب منظمات المجتمع المدني تخلط بين العمل المدني والعمل السياسي فيما قبل ثورة يناير، ولعبت دور البديل للأحزاب الهشة التي كانت تسيطر على الساحة السياسية آنذاك.
بما أدى إلى خلط واضح بين توجهات سياسية وأعمال مجتمعية كان يفترض فيها الحيادية الكاملة، لكن للأسف تم توظيفها لخدمة مصالح تيارات سياسية معينة مرة بدعوى مساعدة الفقراء ومشروعات التنمية، ومرة بدعوى الدفاع عن الحقوق والحريات، مما خلق حالة من العداوة بين الدولة والمجتمع المدني زادت من التضييق على المنظمات خصوصاً العاملة في مجال حقوق الإنسان، وبالمقابل زاد من اشتعال الغضب المصبوغ بصبغة معارضة سياسية لدى العاملين في هذه الجمعيات.
ولم تنفرج حالة التوتر تلك إلا بعد ثورة 30 يونيو، وإعادة تشكيل المنظمات والجمعيات وإعادة رسم علاقتها مع الدولة.
وحتى لا نقع في نفس الخطأ مرة أخرى، فإنني أهيب بكل السادة العاملين بالمجتمع المدني والذين قرروا خوض الانتخابات أن يقدموا استقالتهم من المنظمات التي يعملون بها، ويعلنوا بشكل صريح أنهم انتقلوا للعمل السياسي، أو أن يرجعوا عن خطوة الترشح، ويبقوا في المجتمع المدني ليخدموا مصر من خلاله بخبرتهم الطويلة فيه.