Thursday, April 16, 2015

اخلعوا حجاب العقل أولى


Muslim Woman Boston Street Art

أتفق تماماً مع من يرون أن مظهر الناس هو أبلغ تعبير عن درجة تحضر المجتمع وثقافة من يعيشون فيه، وأتفق معهم أيضاً في المطالبة والعمل من أجل عودة مصر التي كانت أجمل من أوروبا في الخمسينات والستينات، وكانت أحد مظاهر هذا الجمال يكمن في أهتمام المصريين بأناقتهم، كانت المرأة ترتدي الفساتين وقصة الشعر الأنيقة حتى وهي تشتري الخضار، وكان الرجل يرتدي البدلة ورابطة العنق الشيك حتى وهو يشرب شاي على القهوة، ولم يكن للحجاب الذي أنتشر في أغلب مصر اليوم وجود، كما لم يكن للبنطلونات "الساقطة" (هذه ليست سبة، هكذا يسمونها) التي يرتديها شباب هذه الأيام وجود أيضاً. 

أقول كلامي هذا تعليقاً على حملة انطلقت في الأيام القليلة الماضية تدعو نساء مصر لخلع الحجاب في ميدان التحرير بشكل جماعي، وأصحاب هذه الدعوة في نظري لا يختلفون كثيراً عن من فرضوه قهراً من البداية، مثلهم في ذلك مثل المعلم الذي حلق شعر طالبة في أحد المدارس لمجرد أنها لا ترتدي الحجاب. كلهم ينتهكون الحرية الشخصية للمرأة بشكل غير مقبول ويتدخلون حتى في أبسط حق لها وهو اختيار مظهرها سواء كان حجاب أو فستان مكشوف. 

إن ظاهرة فرض الحجاب الاجتماعي الذي نراه اليوم بالقوة على النساء ما هي إلا مجرد عرض لمرض عضال اسمه "حجاب العقل" أصاب المجتمع المصري في غفلة من الزمن على يد أبواق سياسية في عباءة رجال دين. وهذا النوع من الحجاب – أي حجاب العقل – هو ما يحتاج الثورة؛ ثورة شارع لتغيير طرق التفكير وثورة قانون تعيد للمرأة المصرية سلطتها على شكل حياتها بوجه عام دون أي تدخل من أي شخص ذو سلطة دينية أو اجتماعية أو اقتصادية عليها.

فعندما بدأ بعض الدعاة "المودرن" في الترويج لفكرة الحجاب منذ زمن قريب، لم يوجهوا حديثهم إلى النساء، بل إلى الرجال على طريقة "هل ترضاه لأختك." حتى كانت هناك فترة، ترى فيها الشاب يشترط على حبيبته – التي لف معها شوارع المحروسة لسنوات – إرتداء الحجاب في مقابل أن يدخل البيت من بابه ويتزوجها. وتحول الموضوع لموضة مع بداية الألفينات. 

ولو أجرى أي منكم استطلاع بسيط بين جيرانه أو في مكان عمله وسأل زميلاته عن سبب ارتدائهن للحجاب، لوجد أن غالبيتهم ارتدونه لأسباب بعيدة كل البعد عن الدين، وأنهم في أغلب الأمر كانوا مدفوعين برجل ما ذو سلطة عليهم مثل أب أو أخ أو زوج أقتنع برأي رجل دين أوهمه بأن رجولته لن تكتمل وأنه لن يرضي ربه إلا لو قهر إمراءة ما وفرض عليها ما لا تريد. وفي حالات شهدتها بنفسي، قامت أمهات بإجبار بناتهن على ارتداء الحجاب خوفاً من كلام الناس وطمعاً في فرص زواج أفضل من رجل "يتقي ربنا فيها" وكأن حجابها هي علامة أو ضمانه على تقوته هو!  

ومن سخرية القدر، أنه بينما ما زلنا في مصر مهتمين فقط بإجبار المرأة على لبس أو خلع الحجاب، فإن الإعلام الأمريكي يتباهي هذه الأيام بظهور "نور تيجاني" الشابة الأمريكية ذو الأصول الليبية كأول مذيعة محجبة على القنوات الإخبارية الأمريكية. وربما تكون تجربتي الشخصية كإمراءة محجبة أيضاً خير دليل على كيفية التعامل مع فكرة الحجاب في العالم، فلم يحدث أبداً أن انتقدني أحد في أي من المحافل السياسية أو العلمية التي أتردد عليها بشكل مستمر في جميع أنحاء العالم لأني أرتدي الحجاب، وهذا لأنهم لا يرونه أصلاً بل يروني أنا فقط. 

إن المجتمع المتحضر بحق ليس هو الذي غالبية النساء فيه محجبات أو غير محجبات، ولكن هو المجتمع الذي يتجاوز جسد المرأة ليراها ويتعامل معها كإنسان طبيعي بنواقصه ومحاسنه، بغض النظر عن مقدار ما تختار كل إمراءة أن تكشفه أو تغطيه في جسدها. المجتمع المتحضر بحق هو المجتمع الذي لا يعطي لنفسه الحق في إجبار المرأة على أي تصرف خارج إطار حريتها.

لقد تناسى أصحاب الدعوة لخلع الحجاب في ميدان التحرير أن القيود المجحفة ومظاهر التخلف الحقيقي التي تعاني منها المرأة المصرية وتضطر للتعامل معها بشكل يومي – بدءاً بالتحرش وانتهاءاً بالعنف الأسري – نتجت عن حبسها في أدوار تقليدية لا تتجاوز تكوينها البيولوجي ولم يأتي نتيجة لارتداء الحجاب. الحجاب مجرد عرض لمشكلة أكبر. وكم أتمنى أن تقوم في مصر ثورة حقيقية تكشف عن مجتمعنا "حجاب العقل" هذا حتى نصل إلى درجة من التحضر تجعلنا نتجاوز فكرة المرأة الجسد إلى المرأة الإنسان.