Monday, July 27, 2009

أكذوبة سلطة الدولة للهروب من الإشراف الدولي على الإنتخابات




الإشراف الدولى على الانتخابات

بقلم د. يحيى الجمل ٢٧/ ٧/ ٢٠٠٩
جريدة المصري اليوم

أصبح من الأعراف شبه المستقرة أن تجرى الانتخابات سواء التشريعية أو الرئاسية تحت نوع من إشراف المجتمع الدولى أو المراقبة الدولية، خاصة فى البلاد حديثة العهد بالأنظمة الديمقراطية، ولكنها فى نفس الوقت تريد أن تثبت للعالم أنها تجرى انتخابات نزيهة وشفافة، وأنها لا تريد أن تعبث أو تزور إرادة الناخبين.

ومع ذلك فهناك دول ترفض الإشراف الدولى على الانتخابات، أو أن تجرى الانتخابات تحت نوع من المراقبة الدولية بدعوى أن فى ذلك نوعاً من المساس بسيادة الدولة التى تجرى فيها الانتخابات، ومصر المحروسة واحدة من الدول التى ترفض الإشراف الدولى أو المراقبة الدولية على ما يجرى فيها من انتخابات، بدعوى أن فى ذلك مساساً بسيادتها، ولأنها ترفض التشكيك فى سلامة ما تجريه من انتخابات، ذلك على حين أن مصر نفسها لا ترى مانعاً من المشاركة فى الإشراف أو المراقبة لبعض الانتخابات التى تجرى فى بعض البلاد التى ترحب بمثل هذا الإشراف ولا ترى فيه أى عدوان على سيادتها.

فما حقيقة الأمر فى ذلك كله؟

هل صحيح أن الإشراف على الانتخابات فى بلد من البلاد ينتقص أو ينال من سيادته؟ أم أن هذا نوع من الادعاء الذى لا سند له والذى لا يقصد من ورائه إلا التهرب من وجود شهود عدول على عمليات الانتخابات؟ والذى يقصد منه فى حقيقة الأمر تزييف إرادة الناس وإظهار النتائج على نحو ما يريده ذوو السلطان، لا على النحو الذى يريده الناس.

تقديرى أن هذا الافتراض الأخير هو الصحيح. الذين يريدون انتخابات سليمة نزيهة شفافة لا يعنيهم وجود عدد من المراقبين الذين ينتمون إلى منظمات المجتمع المدنى سواء من البلد الذى تجرى فيه الانتخابات أو فى الأغلب الأعم من بلاد وهيئات أخرى غير البلد الذى تتم فيه العمليات الانتخابية.

وقد يكون لبعض أجهزة الأمم المتحدة تواجد فى عمليات الإشراف أو المراقبة التى تتم فى مثل هذه الأحوال، ذلك إلى جوار تواجد منظمات المجتمع المدنى الأهلية.

والادعاء الذى تدعيه بعض البلاد - ومنها مصر للأسف الشديد - بأن الإشراف الدولى على الانتخابات أو المراقبة الدولية لها تنتقص من سيادة الدولة هو ادعاء غير سليم قانوناً جملة وتفصيلاً.

السيادة هى صفة تلحق الدول المستقلة وتعطيها الحق فى التصرف داخل حدودها على النحو الذى يمكنها من السيطرة على مقدراتها، وتعطيها نفس الحق فى ألا تتدخل قوة خارجية فى أمورها سواء الدولية كعلاقاتها مع الدول الأخرى أو مع المنظمات الدولية أو أن تعتدى على حدودها أو مواطنيها أو مصالحها القومية.

ونظرية السيادة الآن لم تعد هى نظرية السيادة فى القرنين الثامن عشر والتاسع عشر. كانت السيادة فى الماضى يقال لها مطلقة، ولكن تطور المجتمع الدولى والتنظيم الدولى وصل بالسيادة إلى أن تصبح سيادة الدولة مقيدة بقيود كثيرة يفرضها عليها وجودها فى تنظيم دولى معين يفرض على الدول كلها التزامات معينة يجب عليها الوفاء بها.

والمواثيق الدولية الراهنة وفى مقدمتها ميثاق الأمم المتحدة والعهدان الدوليان للحقوق السياسية والاقتصادية تضع على سيادة الدولة التقليدية قيوداً والتزامات جعلت سيادة الدولة فى الوقت الراهن بعيدة عن أن تكون سيادة مطلقة، ومع ذلك فإن الميثاق يعترف للدولة المستقلة بالسيادة ولكنها سيادة فى إطار الالتزامات الدولية. إن صدور قرار ملزم للدولة - حتى على غير إراتها - وهو أمر يحدث كل يوم الآن دليل واضح على أن فكرة السيادة المطلقة قد اختفت، وعلى ذلك يرى كل فقهاء القانون الدولى العام الذين يعتد برأيهم.

وموضوع حقوق الإنسان، يتجه المجتمع الدولى، ومنذ إقرار ميثاق حقوق الإنسان والعهدين الدوليين اللذين وضعاه موضع التنفيذ، إلى أن يجعل منه شأناً دولياً يعلو فوق إرادات الدول، لم تعد الدولة حرة فى ممارسة العسف والطغيان ضد فريق من مواطنيها أو انتهاك حقوقهم الأساسية بدعوى ممارسة حق السيادة، ونشاهد كل يوم مظاهر لانتهاكات حقوق الإنسان فى الدول التى مازالت مارقة لا تحترم هذه الحقوق.

وليس هذا المقال درساً فى نظرية السيادة ولا فى تطور قواعد القانون الدولى والتنظيم الدولى، ولكن قصدى منه أن أوضح حقيقة أساسية مفادها أن مبدأ السيادة المطلقة للدولة قد انتهى زمانه، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن العدوان على السيادة يعنى فى أساسه التصادم بين سيادتين، وفى حالتنا التى نحن بصددها - حالة الإشراف الدولى على الانتخابات - لا يوجد مثل هذا التصادم من قريب أو من بعيد،

ذلك أن الأصل أن الدولة التى تجرى فيها الانتخابات تقبل بمحض إرادتها وجود مراقبين دوليين، والمراقب ليست له أى سلطة تنفيذية - إنه يكتفى بالمراقبة وتقرير ما يراه، كذلك تقبل الدولة بمحض إرادتها وجود مشرفين يتابعون سير العملية الانتخابية من حيث تمكين الناخبين من الإدلاء بأصواتهم فى حرية وفى شفافية تعكس الإرادة الحقيقية لجماهير الناخبين.

إن المراقب الدولى أو المشرف الدولى الذى يحضر لمشاهدة ومتابعة عملية الانتخاب فى بلد من البلاد لا يتمتع بأى سلطة من أى نوع كان، إنه «يرى» ويثبت ما يراه ويعلنه، ذلك هو قصاراه، وليس فى ذلك أى مساس بسيادة الدولة المضيفة من قريب أو من بعيد.

الذين يريدون انتخابات نزيهة شفافة معبرة عن إرادة الناس لا «يتمحكون» فى مقولات بالية ولا يستخفون وراء أستار تخفى سوءاتهم وعوراتهم.

إشراف جماعات من المجتمع المدنى الداخلى والدولى على الانتخابات ضمان لنزاهتها وشفافيتها وليس فيه أى عدوان على سيادتها.

ترى هل أسمعت من فى يدهم اتخاذ مثل هذا القرار أم يصدق علىّ قول القائل:

وقد أسمعت إذ ناديت حيا ولكن لا حياة لمن تنادى

ولا حول ولا قوة إلا بالله.

وإن غداً لناظره قريب.

ملحوظة: آخر انتخابات تمت فى المنطقة العربية كانت فى موريتانيا وإقليم كردستان العراق وفيهما كان الإشراف الدولى واضحاً وكبيراً