Sunday, July 19, 2009

وهكذا تحولت مصر من قيادة حركات التغيير في العالم إلى قيادة القمع



من أروع وأمتع المقالات التي قرأتها في حياتي:


تناقض مصر المجتمع والدولة فى المحافل الدولية


بقلم د. سعدالدين إبراهيم ١٨/ ٧/ ٢٠٠٩

يتزعم النظام المصرى الحاكم مجموعة من الأنظمة المُشابهة فى الحماية المُتبادلة ضد الإدانات فى المحافل الدولية. فمصر الرسمية بحكم عضويتها فى كل من:

١- الجامعة العربية «٢١ دولة»

٢- منظمة الوحدة الأفريقية «٤٢ دولة»

٣- منظمة المؤتمر الإسلامى «٥٥ دولة»

٤- حركة عدم الانحياز «٧٧ دولة»

تستطيع حشد هذه الدول جميعاً أو معظمها فى المؤتمرات الدولية.

فمصر الرسمية هى أحد البُلدان القليلة المؤسسة لهذه البُلدان الإقليمية. ورغم أن العديد من نفس البُلدان يشترك فى عضوية هذه المجموعات الأربع، فإن مصر الرسمية كانت تحظى باحترام خاص وتأثير ملموس داخل المجموعات الأربع. وقد مكّنها ذلك من القيام فى القرن الحادى والعشرين بدور مُضاد تماماً للدور الذى كانت تقوم به فى القرن العشرين.

فحين كتب الزعيم الراحل جمال عبدالناصر كتاب «فلسفة الثورة» عام ١٩٥٤، تحدث عن دوائر ثلاث تمثل المجالات الحيوية لمصر، وهى الوطن العربى، والقارة الأفريقية، والعالم الإسلامى.

وكان للدائرة الأولى مُنظمة إقليمية قائمة بالفعل هى الجامعة العربية، التى تأسست عام ١٩٤٥- أى قبل أن يكتب عبدالناصر كتابه بحوالى عشر سنوات، ولكن عبدالناصر كان القوة المُحركة لتأسيس ثلاث مجموعات إقليمية إضافية- هى منظمة الوحدة الأفريقية، ومنظمة المؤتمر الإسلامى، وحركة عدم الانحياز. وخلال عقدى الخمسينيات والستينيات، كانت هذه المجموعات الأربع تقود تيارات التحرير، والعدالة، والتنمية فى العالم الثالث «آسيا، أفريقيا، وأمريكا اللاتينية». وكانت مصر الناصرية هى القطب المؤثر فى هذه المجموعات الأربع.

ولكن بعد نصف قرن من تأسيس هذه المجموعات تغير دور القطب المصرى من حمل راية التحرير إلى حماية الأنظمة المُستبدة- مثل نظام روبرت موجابى فى زيمبابوى، والقذافى فى ليبيا، والأسد فى سوريا، وكاسترو فى كوبا، والعسكر فى بورما، وعُمر البشير فى السودان.

* فكيف تفعل «مصر الرسمية» ذلك؟

- إنها تستغل عضويتها التأسيسية فى المجموعات الأربع، لحشد أغلبية تصل إلى ثلثى أعضاء الأمم المتحدة «حوالى ١٢٠ من مجموع ١٨٠ عضواً»، لمنع صدور أى قرار يُدين مُمارسات الأنظمة الاستبدادية فى مجالات انتهاكات حقوق الإنسان، وتزوير الانتخابات، واستمرار فرض قوانين الطوارئ، والجرائم ضد الإنسانية.

وقد استمرأت عدة أنظمة استبدادية فى العالم الثالث هذه المُمارسة المصرية، فنهجت نهجهاً، وبذلك أصبح لمصر «ريادة» فى تزعم تلك الأنظمة. وهكذا تحولت مصر من ريادة حركات التحرير والتغيير فى العالم إلى ريادة أنظمة القمع، والجمود، والقعود فى السُلطة إلى أبد الآبدين. وأصبح كثير من الأفارقة والآسيويين، وحتى الروس من دُعاة الديمقراطية وحقوق الإنسان يُلاحقون المصريين فى المؤتمرات الدولية، وينهالون عليهم بالأسئلة، عما حدث لمصر وللمصريين فى السنوات الأخيرة. وليس لدينا، عادة إجابات شافية، سوى أننا جميعاً «أصبحنا فى الهم شرقا»!.

ولكن المُفارقة هى أن عديداً من البُلدان الشرقية- مثل الهند، وإندونيسيا، وكوريا، وماليزيا وتركيا فى آسيا، ومثل السنغال، ونيجيريا وجنوب أفريقيا، وغانا ومالى، والمغرب فى أفريقيا، قد تحولت إلى الديمقراطية وودّعت أنظمة الحكم المُستبد. حتى الملكيات فى بعضها، مثل ماليزيا والمغرب، قد أصبحت «ملكيات دستورية»- أى يملك فيها الملك ولكنه لا يحكم، حيث يكون الحكم لحكومة مُنتخبة، تحاسب، وتتغير كل أربع أو خمس سنوات.

طبعاً حرمان المصريين من انتخاب من يحكمهم انتخابات حُرة ونزيهة هو الوجه الآخر لهذا الدور، الذى تلعبه حكومتهم فى المحافل الدولية. فالسُلطة مفسدة، والسُلطة المُطلقة تصبح مفسدة مُطلقة، فالرئيس فى مصر لا يُحاسب ولا يُحاكم، وهذا يجعل سُلطاته مُطلقة، ولذلك يقول العلامة العربى المسلم عبدالرحمن بن خلدون: «إن السُلطة المُطلقة تؤدى إلى الاستبداد، والاستبداد يؤدى إلى الفساد، والاستبداد والفساد معاً يؤديان إلى خراب العُمران».

لذلك فإن الدور المخجل لمصر الرسمية فى المحافل الدولية، مُستغلة أغلبية المجموعات الأربع «العربية والأفريقية والإسلامية وعدم الانحيازية» فى الأمم المتحدة، لحماية أنظمة مُستبدة، مثل نظام موجابى فى زيمبابوى، والبشير فى السودان، هو فى الوقت نفسه دعم للفساد والخراب.

وربما كان هذا الدور للأغلبية العمياء لأنظمة الاستبداد التى تقودها مصر فى الأمم المتحدة هو الذى دفع عدداً من البُلدان الديمقراطية عبر قارات العالم الست إلى أن تخلق مجموعة خاصة بها، لتكون نداً لتلك الأغلبية المُستبدة العمياء. وكانت الديمقراطيات الجديدة هذه فى شرق أوروبا، وأمريكا اللاتينية وشرق آسيا، وأفريقيا.

وكان الاجتماع التأسيسى لمجموعة الديمقراطيات فى شهر يونيو ٢٠٠٠، بمدينة وارسو، عاصمة بولندا. وتعقد المجموعة لقاء دورياً كل عامين. ورغم أن عضوية المجموعة مفتوحة لكل البُلدان الديمقراطية، قديمها وحديثها، فإن الغلبة فى المجموعة هى للديمقراطيات الناشئة. من ذلك أن عضوية ديمقراطيات راسخة- مثل بريطانيا وكندا والولايات المتحدة والبُلدان الإسكندنافية حاضرة، فإن إدارة المجموعة ومؤتمراتها تتم أساساً بمُبادرات من الديمقراطيات الناشئة.

وليس فى ذلك غرابة حيث إن هذه الأخيرة هى الأكثر حرصاً على حماية أنظمتها وقيمها الديمقراطية، التى لا تزال غير راسخة بما فيه الكفاية، كذلك فإن هذه البُلدان ذات الديمقراطيات الناشئة هى الأكثر تدقيقاً فى شروط العضوية- وهى انتخابات منظمة، وإعلام حُر، وقضاء مُستقل، واحترام لمواثيق حقوق الإنسان الدولية.

وقد انضمت مصر كعضو تحت الاختبار فى ٢٧ يونيو ٢٠٠٠. ولكن واقعة القبض على ثلاثين من العاملين فى مركز ابن خلدون، وحبسهم، يوم ٣٠ يونيو ٢٠٠٠، كان ناقوس خطر دوى دوياً صاخباً فى أرجاء مجموعة الديمقراطيات. وفى الاجتماع الدورى الثانى لها فى سيول، عاصمة كوريا الجنوبية، وكان الخلدونيون لا يزالون فى السجون، فإن عضوية مصر الرسمية أسقطت. كما تم إسقاط عضوية بُلدان أخرى ارتكبت مُخالفات مُماثلة فى حق أصحاب الرأى والضمير، أو لأنها نقضت أحد الشروط لأنظمة الحكم الديمقراطية.

وتتظلم مصر الرسمية فى كل دورة انعقاد لكى تعود إلى عضوية المجموعة. وقد فعلت ذلك فى دورة الانعقاد الثالثة فى سنتياجو «شيلى»، وفى دورة الانعقاد الرابعة فى باماكو «مالى». وهاهى تلتمس مرة أخرى فى دورة الانعقاد الخامسة فى العاصمة البرتغالية لشبونة «هذا الأسبوع».

ومن حسنات مجموعة الديمقراطيات أن لها مجلسين: أحدهما، وهو الأقوى، لمنظمات المجتمع المدنى، والثانى هو لمُمثلى الحكومات.. وليس لدى مُمثلى المجتمع المدنى المصرى والعربى مُشكلة، فهم مُمثلون على خير وجه- بدليل وجودى فى لشبونة كأحد المُتحدثين الرئيسيين، مع د.مادلين أولبرايت «وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة»، وأمين معلوف «الصحفى والروائى اللبنانى»، ود.رضوان المصمودى «الناشط التونسى، رئيس مركز دراسات الإسلام والديمقراطية» والناشط الليبى على أبوزعكوك.

أما حكوماتهم- مصر وتونس وليبيا- فما زالت خارج أبواب المجموعة. ويعجب المُراقبون لماذا تحرص تلك الحكومات المُستبدة على عضوية مجموعة الديمقراطيات، إذا لم تكن ديمقراطية قولاً وفعلاً؟ صحيح أنهم يدّعون ذلك كذباً وبُهتاناً. وصحيح أنهم يعقدون انتخابات صورية لبرلمانهم ورئاساتهم. ولكن ادعاءاتهم وخدعهم لا تنطلى على الديمقراطيين الحقيقيين فى الداخل أو الخارج، فالمُستبدون قد يخدعون بعض الناس بعض الوقت، ولكنهم لا يستطيعون أن يخدعوا جميع الناس كل الوقت.

والله أعلم