تشهد أوضاع المرأة في العالم الإسلامي تحسينات كبيرة بفضل الاهتمام غير المسبوق من القيادات السياسية للدول الإسلامية، إما بشكل فردي أو جماعي، بقضايا المرأة وحقوقها، على الرغم من وجود فجوة بين ما يقوم به قادة الدول الإسلامية على المستوى السياسي والتشريعي وبين ما تعانيه المرأة في هذه الدول بشكل يومي على أرض الواقع. لا تقتصر معاناة النساء في العالم الإسلامي على تحديات تتعلق فقط بالتمييز ضدهن على أساس النوع البيولوجي، كما هو الحال في كثير من دول العالم. لكن أغلب معاناة المرأة في الدول الإسلامية تنبع من الطبيعة السياسية الغير مستقرة والتحديات الأمنية اللانهائية التي تعاني منها هذه الدول. من أمثلة ذلك ما شهدته الدول العربية في السنوات العشر الماضية من حروب أهلية وانتشار التنظيمات الإرهابية، التي كانت المرأة أول ضحاياها وأكبر المتأثرين بها.
في ظل هذا المشهد الصعب، شهدت القاهرة، في صباح يوم الخميس الثامن من يوليو، إعلان الانطلاق الرسمي لـ "منظمة تنمية المرأة" التابعة لمنظمة التعاون الإسلامي، وذلك ضمن أعمال الاجتماع الوزاري الثامن الخاص بالمرأة لمنظمة التعاون الإسلامي، وهو أول اجتماع بالحضور المباشر لممثلي الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي منذ بدء جائحة كورونا.
جرى الاجتماع الوزاري، ذو الطبيعة الاستثنائية، على أرض مصرية وبقيادة مصرية أيضأ، حيث ترأسه المجلس القومي للمرأة المصري، وحضره الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، الذي أعلن بنفسه خبر بدء أعمال المنظمة المعنية بحقوق المرأة في العالم الإسلامي بشكل رسمي، وأكد على أن مصر سوف تتكفل بتخصيص مبنى مستقل يكون مقر دائم للمنظمة وستوفر فيه كل الإمكانيات اللازمة، فضلاً على إلحاق مركز فكر بحثي بالمنظمة يقدم الدراسات والأبحاث التي تعين صناع القرار في الدول الأعضاء على تنفيذ مهمة تعزيز حقوق المرأة في بلدانهم وفق طبيعة التحديات والاحتياجات التي تختلف بشكل كبير من بلد إسلامي لآخر. كما وجه الرئيس السيسي بتحمل مصر تسديد حصة المساهمات السنوية للدول الأقل نموا الأعضاء في "منظمة تنمية المرأة"، وعددهم ٢٢ دولة، سواء التي صادقت على النظام الأساسي وانضمت بالفعل، أو تلك التي لم تصادق وفي طريقها للانضمام.
تنبع أهمية "منظمة تنمية المرأة" من كونها أول منظمة نوعية متخصصة، عابرة للدول، تتأسس على يد منظمة التعاون الإسلامي، بهدف تعزيز حقوق المرأة في الدول الإسلامية، ومن ثم فإنها محملة بمهمة صعبة للغاية تتمثل في تحدي التحريفات التي تعمد البعض إدخالها على النصوص الدينية لتبرير التقاليد الاجتماعية الجائرة التي تسببت في ظلم كبير للمرأة على مدار عقود طويلة، وأصبحت أشبه بالثوابت لدى القواعد الجماهيرية. على الرغم من التنوع الثقافي والديني والاجتماعي للنساء اللائي يعيشن في الدول الإسلامية، سواء كانت دول عربية أو دول غير عربية ذو غالبية مسلمة، فإن الشيء الوحيد الذي تشترك فيه هؤلاء النسوة هو تعرضهن المستمر للتميز تحت راية الدين.
لقد أشار الدكتور يوسف بن أحمد بن عبد الرحمن العثيمين، أمين عام منظمة المؤتمر الإسلامي، إلى هذه النقطة الهامة التي جعلت بعض من وصفهم بـ "المنحرفين والمتطرفين" يستخدمون الدين في وضع عوائق لا مبرر لها أمام تقدم المرأة وتمكينها، لا سيما في المجتمعات العربية، وهم بذلك أضروا أنفسهم ومجتمعاتهم. قال الدكتور يوسف العثيمين: "إن هذا الاجتماع هو رسالة واضحة لمواطنينا في العالم الإسلامي أولاً، وللعالم كله، بأن الإسلام الصافي الحقيقي المعتدل يعلي من شأن المرأة ومكانتها. (ولهن مثل الذي عليهن). إن المرأة مُكرّمه في القرآن الكريم والأحاديث النبوية الصحيحة. يجب ألا نعوّل كثيرا على بعض المنحرفين والمتطرفين والمنظمات التي لديها تفسيرات غير مسؤولة ومنحرفة عن تقاليد ديننا الحنيف، الذين لا يعطون للمرأة حقوقها، حيث أن المرأة في الإسلام كالرجل في الحقوق والواجبات."
تكتسب الكلمات الشافية التي صاغها دكتور يوسف العثيمين في حديثه رونقاً خاصاً نظراً لكونه قادماً من المملكة العربية السعودية، حيث موطنه هو شخصياً، وحيث يقع مقر منظمة التعاون الإسلامي. إذ تشهد السعودية منذ فترة، ليست ببعيدة، طفرة هائلة في تمكين المرأة، ضمن خطة التنمية الشاملة ٢٠٣٠ التي تسير نحوها المملكة تحت قيادة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، الذي أخذ على عاتقه، بشجاعة شديدة، مهمة تحطيم أصنام الموروثات البالية التي أخرت ركب المملكة عن التطور لسنوات طويلة، وعلى رأسها تهميش المرأة وحرمانها من لعب دور مؤثر في الحياة العامة وتنمية المجتمع. في العهود السابقة كانت المرأة السعودية محرومة من أشياء بسيطة جداً مثل قيادة السيارة، واليوم المرأة السعودية أصبحت شريك لا غنى عنه في قيادة المملكة كلها. على سبيل المثال لا الحصر، تضاعفت نسبة مشاركة المرأة السعودية في سوق العمل من ١٧٪ إلى ٣١٪ خلال العامين الأخيرين فقط.
نعلم أن المهمة الموكلة لمنظمة تنمية المرأة هي مهمة صعبة ومعقدة، لا سيما في ظل التحديات الأمنية والسياسية الكثيرة التي تموج بها الدول الإسلامية حول العالم، لكن مع حجم التأييد السياسي والشعبي الذي تشهده المنظمة نتوقع أنها ستكون نقطة نور نحتاج إليها بشده في وسط واقع مؤلم ومظلم.