قد ينقسم الناس، بين مؤيد ومعارض، على أداء الرئيس عبد الفتاح السيسي في أكثر من ملف، وهذا أمر طبيعي وهذه هي سُنة العمل السياسي، لكن لا أحد يستطيع أن ينكر دعمه المطلق للمرأة وحقوقها وعمله بإخلاص من أجل تمكين المرأة المصرية من لعب دور مؤثر في مستقبل وطنها ومحيطها الإقليمي، سواء في العالم العربي أو العالم الإسلامي.
على عكس أسلافه، ليست حقوق المرأة بالنسبة للرئيس السيسي مجرد قوانين مثالية تعجب الغرب ولا يمكن تطبيق شيء منها على أرض الواقع، وليست كذلك مجرد كارت سياسي يلوح به لاسترضاء المجتمع الدولي كلما انتقدوا حالة حقوق الإنسان في مصر. لكن دعم الرئيس السيسي للمرأة وحقوقها هي مسألة نابعة عن إيمانه الشخصي، قبل أن يكون بدافع منصبه السياسي، بأن المرأة شريك للرجل في كل شيء، وبالتالي فإن من واجب الدولة أن تمنحها فرص متساوية لتشارك في تنمية المجتمع، لا أن تجاري المجتمع فيما يفرضه عليها من قيود ظالمة في أغلبها.
منذ يومها الأول، فإن إدارة الرئيس السيسي قد أخذت على عاتقها مهمة معقدة وطويلة الأمد تستهدف تمكين المرأة المصرية، أي كانت خلفيتها الثقافية أو الديمغرافية، وقد نجحت الدولة المصرية في غضون سبعة أعوام فقط، أي منذ تولي الرئيس السيسي الحكم في ٢٠١٤، من إحراز نجاحات غير مسبوقة في هذا الإطار، أهمها على الإطلاق رفع المعاناة عن المرأة الفقيرة وتوفير حياة أدمية كريمة لها ولأسرتها من خلال برامج الرعاية الصحية والإسكان الاجتماعي التي قضت تماماً على ظاهرة العشوائيات، التي كانت المرأة أول وأكبر ضحاياها.
بالإضافة إلى ذلك، تشغل المرأة المصرية حالياً نسبة تتجاوز ٢٥٪ من مقاعد البرلمان بغرفتيه، وتتولى المرأة لأول مرة في تاريخ الدولة المصرية الحديثة مهمة قيادة ثماني وزارات شديدي الأهمية والتأثير في الحكومة الحالية. كما عمل الرئيس السيسي، في الأشهر القليلة الماضية، مع قيادات السلطة القضائية من أجل تفعيل النصوص الدستورية والقانونية التي تسمح للمرأة بالعمل في المناصب القضائية الحساسة، مثل النيابة العامة ومجلس الدولة، وهي سابقة في العالم العربي والإسلامي كله أن تتولى المرأة مناصب كتلك.
بعد هذا النجاح غير المسبوق في مجال حقوق المرأة على المستوى المحلي، قررت الدولة المصرية أن تتولى مهمة أكثر تعقيداً وهي قيادة الدول الإسلامية حول العالم من أجل تعزيز حقوق المرأة المكبلة بجبال من الهموم الأمنية والسياسية والاجتماعية في الدول الإسلامية، حيث أعلن الرئيس السيسي، يوم الخميس، الانطلاق الرسمي لأعمال "منظمة تنمية المرأة"، والتي ستتخذ من القاهرة مقراً لها، وهي منظمة نوعية تابعة لمنظمة التعاون الإسلامي، تهتم بتشجيع الدول الأعضاء، سواء على المستوى الوطني أو في إطار التعاون فيما بينهم، على العمل معاً من أجل تطوير حقوق المرأة ورفعة شأنها، وذلك ضمن أعمال الاجتماع الوزاري الثامن الخاص بالمرأة لمنظمة التعاون الإسلامي، في إطار خطة عمل المنظمة للعام ٢٠٢٥، والذي يشكل فيه ملف المرأة نقطة محورية.
وقد أكد الرئيس السيسي على أنّ مصر سوف تتكفل بتخصيص مبنى مستقل يكون مقراً دائماً للمنظمة، وستوفر فيه كل الإمكانيات اللازمة، فضلاً على إلحاق مركز فكر بحثي بالمنظمة يقدم الدراسات والأبحاث التي تعين صناع القرار في الدول الأعضاء على تنفيذ مهمة تعزيز حقوق المرأة في بلدانهم وفق طبيعة التحديات والاحتياجات التي تختلف بشكل كبير من بلد إسلامي لآخر. كما وجه الرئيس السيسي بتحمل مصر تسديد حصة المساهمات السنوية للدول الأقل نمواً في "منظمة تنمية المرأة"، وعددهم ٢٢ دولة، سواء التي صادقت على النظام الأساسي وانضمت بالفعل، أو تلك التي لم تصادق وفي طريقها للانضمام.
إن إنشاء منظمة كتلك، على أرض مصرية وبقيادة مصرية، هو أمر عظيم وتحدي كبير، لأنه لا يشمل فقط تحدي السياسات القمعية ضد المرأة والعادات الاجتماعية المختلة التي تقيد المرأة وتميز ضدها على أساس اختلاف النوع، ولكنها تشمل أيضاً تحدي من يرتدون عباءة الدين ويستخدمون نصوص دينية محرفة في تبرير التقاليد الاجتماعية الجائرة التي تسببت في ظلم كبير للمرأة على مدار عقود طويلة، لا سيما في عالمنا العربي، وأصبحت أشبه بالثوابت لدى القواعد الجماهيرية.
أنا على يقين أن إدارة الرئيس السيسي ستنجح في هذه المهمة مثلما سبق ونجحت في كل المستحيلات التي سبقتها، خصوصاً فيما يتعلق بأوضاع المرأة وحقوقها.