Sunday, January 12, 2020

الشرق الأوسط 2020: بداية مرحلة الحرب على المكشوف

Middle East war 2020

أصاب عموم الناس في منطقة الشرق الأوسط، مع بداية العام الجديد، وعلى اختلاف انتماءاتهم السياسية والاجتماعية وحتى الدينية، حالة من الذعر والترقب وصلت لحد مبالغة البعض بادعاء أننا مقبلين على حرب عالمية ثالثة، وذلك على خلفية الأزمة التي نشبت بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية بعد عدد من الاشتباكات بين الطرفين على الأراضي العراقية انتهت بتصفية قاسم سليماني بواسطة القوات الأمريكية، في ثاني أيام العام الجديد. 

قاسم سليماني هو أهم قائد عسكري لدى إيران، والمحرك الفعلي والمدبر الأعلى لكل الميليشيات التابعة لإيران في الجانب الشرقي من منطقة الشرق الأوسط، وهو الأمر الذي لم ترد عليه إيران إلا بكلمات تهديد جوفاء، ومسيرات جنائزية حاشدة حصدت أرواح أكثر من خمسين إيراني بسبب التزاحم والتدافع، وبعض الضربات الصاروخية إلى داخل العراق، والتي لم تسفر عن أي خسائر تذكر للجانب الأمريكي.

إن الحديث عن اشتعال حرب عالمية ثالثة في العام ٢٠٢٠ هو أمر مبالغ فيه إلى أبعد حد، وإن كان هذا لا ينفي حقيقة أن المنطقة في حالة حرب ممتدة منذ ما يقارب عقد كامل، في صورة معارك صغيرة ومتفرقة، لكن كلها تقع تحت نفس الفئة من حيث كونها صراع واحد كبير بين قوى الإسلام السياسي على اختلاف مشاربها ومذاهبها وداعميها، والتي تتفق جميعاً على تدمير الدول الوطنية الحديثة وإعادة المنطقة لعصر الخلافة، وبين دول المنطقة وقواتها المسلحة التي تحاول جاهدة أن تحافظ على سيادة أراضيها وتوحيد مواطنيها على خلفية قومية واحدة في مواجهة ذاك التخلف.

ولكن، في المقابل، لا يمكن الجزم بأن الضربة الأمريكية القاصمة لإيران ستضع حد لمعاناة شعوب المنطقة وتنهي حالة الحرب تلك، بقدرة قادر، بل الفرق الرئيسي والذي من المتوقع أن نشهده في العام الجديد، هو تغير شكل وأسلوب تلك الحرب الممتدة عبر ربوع الشرق الأوسط، إذ إننا مقبلين على مرحلة جديدة سيتحول فيها الصراع من حرب عصابات، تتخفى فيها الدول أصحاب المصالح والمطامع وراء ميليشيات إرهابية، في معارك ليس لها قواعد أو أبعاد واضحة والكل فيها خاسر بدرجة أو بأخرى، إلى حالة من الحرب على المكشوف، تعري فيها الدول وجوهها الحقيقية وتتصارع فيها عبر الأدوات العسكرية والسياسية والدبلوماسية التقليدية، وتعلن عن مصالحها وتتفاوض عليها، وهذا ما قد يبشر، ولو على المدى البعيد، بأن ثمة حلول ممكنة للحالة المزرية التي وصلت لها شعوب المنطقة اليوم، بسبب صراعات قوى خارجية طمعاً في نهب خيرات بلادهم.

وقد بدأت مشاهد الحرب على المكشوف تتجلى بالفعل، وأولها وأهمها هو صمت قطر المطبق، وهي الممول الأكبر للتنظيمات الإرهابية في المنطقة، تجاه مقتل قاسم سليماني، برغم العلاقة القريبة بين الأسرة الحاكمة في قطر ونظام الملالي في إيران، فقبل أسابيع قليلة من مقتل سليماني، كان الأمير تميم والرئيس أردوغان وأية الله خامنئي يترأسون اجتماع اسموه “القمة الإسلامية” في كوالالمبور. وهو أمر يعكس حجم الارتباك الكبير، وربما الخوف أيضاً، داخل أروقة النظام القطري الآن.

ثاني أهم مشاهد تلك الحرب المكشوفة هو الطريقة التي حٌلت بها الأزمة التي كانت تحاول تركيا افتعالها في منطقة شمال أفريقيا وحوض البحر المتوسط، من خلال سعي إردوغان للتدخل العسكري في ليبيا بغرض نهب ما تملكه من ثروات نفطية، وسرقة نصيب أكبر من ثروات الغاز في حوض البحر المتوسط، إذ تدخلت روسيا بشكل صريح لتسيطر على أطماع أردوغان وتجبره على التراجع عن مخططه، وهو الأمر الذي استجاب له أردوغان مضطراً، خوفاً على مصالح تركيا الاقتصادية والعسكرية مع روسيا، وحتى لا تتأثر مصالح تركيا على الأراضي السورية بعد التوسع الكبير للتواجد الروسي خلال الفترة القليلة الماضية والذي أجبر تركيا على التراجع إلى مساحة صغيرة على الحدود الشمالية لسوريا.

مع افتراض سلامة هذه التوقعات، فإن هذه الحرب المكشوفة التي يديرها أصحابها على رقعة الشرق الأوسط، لابد وأن تسفر عن حالة من الهدوء النسبي، ستقلص من تواجد التنظيمات الإرهابية في بؤر محددة يسهل السيطرة عليها، وبالتالي ستسمح لشعوب المنطقة، خصوصاً تلك التي كانت واقعة تحت ضغوط الإرهاب والحروب الأهلية، بالالتفات إلى معالجة أمور داخلية أخرى تتعلق بالحوكمة والشأن السياسي.

فقد نرى مثلاً تخلص بعض الدول مثل ليبيا وسوريا من الحكومات الموازية والكيانات السياسية المشتتة التي تكونت في أعقاب ثورات الربيع العربي، وربما تنجح في إقامة حكومات موحدة، بينما من المتوقع أن تقوم بعض الدول الأخرى بعمل تغير جذري في نظام الحكم أو الرموز الحاكمة بها مثلما هو الحال في لبنان والعراق، وحتماً سيزداد الاستقرار لدى غالبية الدول في شمال أفريقيا مثل مصر وتونس وحتى الجزائر. 

لكن يبقى أهم حدث سياسي علينا جميعاً مراقبته في ٢٠٢٠ هو الانتخابات الفلسطينية، إن تمت بالفعل بعد توافق كافة الأطراف الفلسطينية والإسرائيلية، إذ أن المنظومة الحالية داخل الأراضي الفلسطينية تزيد من احتمالات فوز حركة حماس بالسلطة، ولو حدث ذلك فسوف تتغير دفة الأمور بالكامل لمصلحة إيران وقطر وتركيا، وربما ينفث الروح في التنظيمات الإرهابية التي ترعاها تلك الدول من جديد، وبالتالي تعود المنطقة لنقطة صفر.