Wednesday, November 13, 2019

كلمة السر في توتر العلاقات بين تركيا وقطر



ما من شك أن القرار الأمريكي المفاجئ بإعادة تمركز القوات الأمريكية، لأجل غير مسمى، في شمال شرق سوريا، بهدف مواصلة الحرب ضد داعش ومنع عناصر التنظيم من العودة إلى مساحتهم المفضلة بالقرب من حليفهم الأهم في تركيا، قد تسبب في صدمة كبيرة للرئيس التركي، إخواني الهوية وداعشي الهوى، رجب طيب إردوغان، والذي يسعى الآن للتفاوض مع ترامب بشأن القوات الأمريكية التي تقف على الحدود الجنوبية لبلاده، والذي قابلته واشنطن بنوع من الاستخفاف.

إذ يعد قرار الرئيس الأمريكي ترامب بإعادة نشر القوات في شمال شرق سوريا، هو بمثابة عقاب لتركيا، وتراجع مستغرب عن الموقف السابق، الذي أصر عليه ونفذه ترامب قبل شهرين، بسحب قواته من سوريا، وهو ما فتح الباب أمام إردوغان لقتل آلاف الأبرياء في أحدث حروبه العرقية ضد الأكراد، ويبدو أن الولايات المتحدة اضطرت للعودة إلى شمال سوريا، لتضمن الحفاظ على مصالحها في منطقة الشام، بعد الاتفاق الذي تم توقيعه مؤخراً بين إردوغان والقوات الروسية التي تعتبر الحليف الرئيسي لنظام بشار الأسد، وممثلاً عنه، بشأن تنظيم الحدود بين تركيا وسوريا.

من المتوقع أن يتسبب التواجد الأمريكي المسلح في شمال شرق سوريا في زيادة الأزمة الاقتصادية داخل تركيا، وبالتالي مزيد من الفشل لنظام إردوغان ومزيد من الغضب الشعبي بين الأتراك تجاه نظامه، حيث أن السبب غير المباشر لعودة القوات الأمريكية إلى هذه المنطقة، بحسب تصريحات قيادات الجيش الأمريكي، هو التحكم في الثروة النفطية بحيث لا تستفيد منها روسيا ونظام الأسد من جانب، ولا يطالها أيضاً تنظيم داعش، الذي اقتات لسنوات على سرقة النفط السوري وتصديره إلى إردوغان عبر الحدود التركية الجنوبية، في مقابل تقديم إردوغان الدعم السياسي والأموال التي يحتاج لها التنظيم، وهو الدعم الذي ربما سيفشل إردوغان في مواصلة تقديمه لتنظيم داعش إذا ما استمر التوتر الحالي في العلاقات التركية مع قطر، أو تفاقم.

لقد وصل توتر العلاقات بين النظامين التركي والقطري ذروته عبر حرب إعلامية تبادلها الطرفان، في الأيام القليلة التي أعقبت إعلان القوات الأمريكية القضاء على أبو بكر البغدادي الزعيم المؤسس لتنظيم داعش، حيث تفاجأ الرأي العام بتصريحات قطرية تنتقد نظام إردوغان وتصف تدخله في الشمال السوري بـ “الاعتداء”، قابلتها تصريحات تركية تنتقد تدهور حالة حقوق الإنسان في قطر وتنتقد الأمير تميم والأسرة الحاكمة، في مبارزة إعلامية صعب على كثيرين فهمها أو تفسير دوافعها، في ظل العلاقة القوية التي تربط تركيا وقطر منذ تولي إردوغان وحزبه الإخواني في تركيا، ثم صعود الأمير تميم، الداعم الأكبر لجماعة الإخوان المسلمين، على سلم الغدر بأبيه، إلى سدة الحكم في قطر.

فمنذ ذلك الحين، قامت شراكة متينة بين النظامين القطري والتركي، مكنتهما من العمل معاً كقوة مؤثرة نجحت في رعاية ونشر الإرهاب في أرجاء الشرق الأوسط، واستخدام التنظيمات الإرهابية، على تنوعها، كسلاح لنشر الفوضى وزعزعة أمن واستقرار دول الخليج العربي ومصر، وهي الدول التي شكلت تحالف الرباعي العربي ضد قطر في ٢٠١٧، مدفوعين – أي تركيا وقطر – في مساعيهم الآثمة، برغبة مشتركة في تعويض ضآلة الدور والتأثير الذي يعاني منه كل من البلدين في محيطهما الإقليمي؛ فمثلما يعاني النظام القطري من أزمة تعريف هوية في محيطه الخليجي العربي، بسبب علاقته مع إيران ومعاداته التاريخية للسعودية والإمارات، كذلك تعاني تركيا، خصوصاً بعد تولي الإخواني إردوغان، من أزمة هوية اختلطت فيها الأوراق بين كونها دولة أوروبية أم شرق أوسطية، ناهيك طبعاً عن الهلوسات التي يعاني منها كل من تميم وإردوغان بزعامة الشرق الأوسط.

لكن، برغم التوتر الحالي، يعلم الأمير تميم والرئيس إردوغان جيداً أن أياً منهما لن يتحمل فقدان المزيد من الحلفاء، خصوصاً في ظل عزلة كل منهما في محيطه الإقليمي، لهذا ربما لن يحدث صدع كبير في العلاقات بين البلدين، على خلفية هذه المبارزة الإعلامية، خصوصاً من جانب تركيا التي تنتظر بفارغ الصبر افتتاح القاعدة العسكرية الجديدة لها داخل قطر، والتي من المتوقع، بحسب تصريحات الجيش التركي، أن تتسع لعدد ضخم من المعدات والقوات التركية على بعد كيلومترات قليلة من الدوحة، وهو الأمر الذي يجعلنا نتساءل إذا ما كانت الولايات المتحدة صاحبة دور غير مباشر في اشتعال تلك الأزمة بين قطر وتركيا، بغرض تأجيل افتتاح القاعدة العسكرية التركية، أو إفشال المشروع بالكامل، والذي كان مخططاً اتمامه قبل نهاية العام الجاري، خوفاً على مصالحها في منطقة الخليج.

حيث أن الولايات المتحدة تدير أكبر قاعدة عسكرية أمريكية في الشرق الأوسط من العديد في قطر، وربما خشيت واشنطن أن يتأثر النفوذ العسكري الأمريكي في هذه المنطقة الهامة، القريبة جداً من حلفاء أمريكا في منطقة الخليج العربي، والقريبة أيضاً من العدو الأكبر لأمريكا في إيران، إذا ما سمحت بالتواجد العسكري التركي المكثف فيها، مع الأخذ في الاعتبار بعلاقة تركيا الطيبة مع روسيا ومع إيران، والتي تتعارض قطعاً مع المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط، وفي منطقة الخليج تحديداً. ويعزز هذا الطرح اللقاء الذي شهده البنتاجون، في مطلع شهر نوفمبر، أي في خضم الأزمة الإعلامية بين تركيا وقطر، بين وزيري الدفاع الأمريكي والقطري، والذي سبقه عدة لقاءات بين القيادات العسكرية للبلدين على مستوى أقل، منذ شهر أغسطس، بهدف التباحث في تطوير البنية التحتية وتوسيع مساحة القاعدة العسكرية الأمريكية في العديد.

بالنسبة لقطر، فإن الولايات المتحدة هي حليف أهم بكثير من تركيا، بالرغم من استمرار واشنطن في توطيد العلاقات مع دول الرباعي العربي التي تناصبها قطر العداء، والرأي الأرجح يقول إن قطر لن تتخلى عن علاقتها بتركيا أو تنسفها تماماً لإرضاء الولايات المتحدة أو طمأنتها على نفوذها العسكري في المنطقة، لكن الأكيد أن العلاقات بين تركيا وقطر ستشهد تراجع كبير من جانب الطرفين في الأشهر القادمة وهو ما سيكون له مردود سلبي على نظام إردوغان المترنح بالفعل، سواء في تحركاته الداخلية في تركيا أو الخارجية في سوريا.