Thursday, November 07, 2019

معضلة أوروبا بين المسلمين والإخوان المسلمين


اعتدنا لسنوات على متابعة ندوات ومؤتمرات، على الشاطئ الأخر من عالمنا العربي، تتناول دور وانتشار جماعة الإخوان المسلمين في الغرب، كتنظيم ديني وسياسي، إلا أنها كانت – في غالبها – فاعليات موجهة للرأي العام الغربي، تنظمها مراكز إعلامية وبحثية ومنظمات خيرية تابعة للجماعة، الهدف الرئيسي منها هو تلميع اسم وصورة جماعة الإخوان وعناصرها الذين هربوا إلى أوروبا وأمريكا، بعدما لفظتهم دولهم الأصلية في الشرق الأوسط.

وقد نجح هذا الانتشار الإعلامي للإخوان في الغرب في تمكين قيادات الجماعة من النفاذ إلى أروقة الحكم وصناعة القرار داخل هذه الدول، بالتوازي مع زيادة انتشار الإخوان داخل المجتمع المدني، ذلك المجال المتسع والمفتوح في أوروبا وأمريكا، تحت مسميات خادعة لمنظمات حقوقية وجمعيات خيرية، تدعي أنها تخدم الدين الإسلامي وحقوق الإنسان في العالم العربي، وهي في الحقيقة لا تخدم إلا أجندة جماعة الإخوان التخريبية تجاه مظاهر التحضر والليبرالية في دول الغرب، حتى أصبحت تلك المنظمات تشكل شبكة ضخمة جعلت من جماعة الإخوان المتحدث الرسمي، الذي لم يعينه أحد، باسم الإسلام والمسلمين في أوروبا وأمريكا، وبالتالي اكتسبت الجماعة قوة وتأثير سياسي على حكومات وبرلمانات هذه الدول يتجاوز في بعض الأحيان تأثير الأحزاب السياسية العريقة بها.

وقد كان، وما زال، بعض المخدوعين بخطاب الإخوان في الغرب، يظنون أن وصف الإخوان بجماعة إرهابية هو من قبيل “الإسلاموفوبيا“، ذلك المصطلح الذي ابتدعه الإخوان واستخدموه لإخراس كل من حاول مواجهة أجندتهم الجهادية، بأن يتهموه بأنه يعادي الإسلام أو يكره المسلمين، وقد سهلت الأحداث التي شهدها العالم في مطلع الألفية، خصوصاً واقعة تفجير برجي التجارة العالميين في نيويورك، في انتشار تلك الأكذوبة.

لكن الطريف حقاً، أن هذا المصطلح البدعة يستخدم الآن من قبل كتاب وباحثين غربيين لاتهام الرافضين لأجندة الإخوان في مصر، وبعض الدول العربية التي صنفت الإخوان كتنظيم إرهابي، بأنها حكومات تعاني من الإسلاموفوبيا، في مفارقة تثير الضحك، حيث تجاهل هؤلاء الباحثين الغربيين، الذين يرددون مصطلحات الإخوان دون أدنى تفكير أو مراجعة، حقيقة أن الدول العربية التي تحارب الإخوان الآن وقامت بتصنيفهم كتنظيم إرهابي هي دول يدين أغلب مواطنوها بدين الإسلام، وبعضها يصف نفسه بكونه دولة إسلامية عربية.

ولعلني أذكر مرات عديدة واجهت بنفسي لوماً غير مفهوم وغير مبرر من جماهير غربيين غير مسلمين، عندما كنت أتحدث عن خطورة المنهج الديني والسياسي المريب الذي تتبناه جماعة الإخوان، في أطار المحاضرات التي القيتها في محافل دولية في أوروبا وأمريكا عن التغيير السياسي في مصر في سنوات ما بعد الربيع العربي، وضرورة تصنيف الولايات المتحدة جماعة الإخوان كتنظيم إرهابي دولي.

طوال سنوات لم يجرؤ إلا قلة من الباحثين والإعلاميين، على مواجهة أكاذيب الجماعة في أوروبا وأمريكا، بنفس الشجاعة التي شهدتها في المتحدثين بالندوة التي عقدها “مركز ليفانت للبحوث والدراسات” قبل أسبوعين، بعنوان “عين على الإخوان المسلمين“، فأول ما يجب علينا التوقف أمامه هنا هو أن الندوة تم عقدها في قلب لندن، التي يحظى الإخوان المسلمون فيها بدعم غير مشروط من الحكومة التي أعطت لقيادات الجماعة حق اللجوء السياسي وفتحت لهم الأبواب لعمل شبكات تنظيمية داخل المجتمع المدني وداخل المساجد والمدارس، تعمل بحرية كاملة دون رقابة مناسبة، رغم ما تبثه من أفكار خطيرة تهدد ليس فقط أمن بريطانيا، ولكن أيضاً أمن أوروبا والعالم.

فقد تناول المتحدثون في الندوة الخلفية الأيديولوجية لجماعة الإخوان والتي توضح أن جماعة الإخوان هي منبع كل الأفكار والأفعال الإجرامية التي يتبناها ويمارسها الإرهابيون المتخفين وراء ستار الإسلام حول العالم اليوم، وأوضح المتحدثون أيضاً الخطر الكبير الذي أصبحت تشكله جماعة الإخوان على أمن أوروبا بعد هروب القيادات من دولهم الأصلية إليها وانتشارهم فيها.

إلا أن العنصر الأهم الذي تم تناوله في ندوة “عين على الإخوان المسلمين” من قلب لندن، فهو الإشارة إلى الدول التي ترعى جماعة الإخوان وتمولها وتمنحها الغطاء السياسي الذي يمكنها من تنفيذ أجندتها، وعلى رأسها تركيا التي يحكمها إردوغان وحزبه التابع للتنظيم الدولي للإخوان المسلمين، والذي لم يوفر جهداُ منذ توليه حكم تركيا تجاه أحلامه وأحلام جماعته باستعادة دولة الخلافة على جثث الأبرياء في العالم العربي، وكذلك قطر ونظام الحمدين الذي يصرف على رعاية وأعمال جماعة الإخوان وشقيقاتها من التنظيمات الإرهابية في الشرق الأوسط أكثر مما يصرف على الدولة القطرية والشعب القطري. معضلة أوروبا بين المسلمين والإخوان المسلمين معضلة أوروبا بين المسلمين والإخوان المسلمين.

ويبقى التحدي الأكبر أمام أوروبا والغرب بشكل عام، بحسب ما ذكره المتحدثون بالندوة، وبحسب معطيات الواقع أيضاً، هو الحاجة لوجود كيان بديل يمثل الجاليات المسلمة في دول الغرب، يمثل العقيدة الدينية المعتدلة التي يتبناها معظم المسلمين، وليس لديه أي أطماع أو طموحات حزبية أو سياسية، يستطيع صناع القرار في الغرب التعاون معه في خدمة الجاليات المسلمة في هذه الدول، لا سيما مع ارتفاع أعداد المواطنين المسلمين في أوروبا، في السنوات الأخيرة، بسبب الاضطرابات السياسية والحروب الأهلية التي وقعت في منطقة الشرق الأوسط، وأدت لنزوح عدد كبير من اللاجئين إلى أوروبا والاستقرار بها. 

إن تجاهل مثل هذ الخطر أو الاستخفاف به سيكون له ثمناً باهظاً ربما لن تتحمله أوروبا بعد عشر سنوات من الآن مع نمو الجاليات الإسلامية في دولها دون تحصينها ضد الأفكار التخريبية لجماعة الإخوان والمنتشرة بلا ضابط أو رقابة في المساجد والمدارس وحتى وسائل الإعلام في كل انحاء أوروبا.