Monday, August 19, 2019

انتخابات تونس: طوق النجاة لجماعة الإخوان المسلمين؟



لقد نجح الشعب التونسي في اختبار جديد لمدى صلابة وتماسك البناء الديمقراطي بالدولة، حيث وقع حادث وفاة الرئيس الباجي قائد السبسي، الشهر الماضي، بينما تصارع سفينة تونس أمواج عاتية من تحديات سياسية واقتصادية، أشهرها الأزمة الاقتصادية التي وقعت فيها البلاد منذ ما يقارب العام، وكذلك الجدل المتزايد بين الأحزاب العلمانية والإسلامية بشأن الامتيازات الغير مسبوقة التي منحها نظام السبسي للمرأة، مثل حق الزواج من غير مسلم والحق في المساواة في الميراث، والتي يراها الإسلاميون تحدياً من النظام السياسي للشريعة الإسلامية. لكن برغم كل ذلك، مر حادث وفاة السبسي بهدوء شديد، نظراً لالتزام كل الأطراف بتأجيل أي جدل أو صراع سياسي للمعركة الانتخابية. 

لو أن حادث جسيم ومفاجئ كهذا قد وقع في أي من دول الربيع العربي، لكان من الصعب أن نتوقع أن يمر الأمر بنفس الهدوء الذي مرت به الأحداث في تونس عقب وفاة السبسي، الذي شيع المواطنون جنازته في مشهد راق ومتحضر وقامت الدولة بنقل السلطة إلى رئيس البرلمان وفقاً لنص الدستور. بدلاً من ذلك، كنا سنرى الدولة نفسها تنهار والقوى السياسية المختلفة مع النظام السياسي أو المؤيدة له تتبارى في إظهار عضلاتها من خلال حشد الشارع في شكل مظاهرات كمحاولة لإثبات شعبيتهم وبالتالي الهيمنة على الفراغ السياسي الناتج عن موت رأس الدولة. وهذا، بالضبط، هو سر انبهار المراقبين بما يحدث الآن في تونس، حيث اختارت جميع القوى السياسية من أقصى اليمين لأقصى اليسار أن تلتزم بأعلى درجات الانضباط السياسي، وتؤجل استغلال طاقاتها ومواردها إلى معركة الانتخابات الرئاسية التي تقرر عقدها في سبتمبر.

من المؤكد، أن الشعب التونسي هو كلمة السر وراء هذا الانضباط، نظراً لما يتمتع به من درجة نضج ووعي سياسي أجبرت القوى السياسية على اعتماد الوسائل الديمقراطية في طرح نفسها كبديل مناسب للرئيس الراحل. ولعلنا نذكر جيداً أن موت السبسي لم يكن هو أول اختبار تتعرض له الدولة الديمقراطية المنشأة حديثاً في تونس، بل كانت لتونس تجربة أبهرت العالم في عام ٢٠١٣ حين حاول الشعب التخلص من الإسلاميين الذين وصلوا لسدة الحكم في تونس ومصر في غفلة ما بعد ثورات الربيع. فبينما أضطر المصريون لعمل ثورة تمرد ضد حكم الإخوان في مصر بسبب تعنتهم الشديد وإصرارهم على الاستمرار في الحكم رغماً عن إرادة الشعب، كان الشعب التونسي يتفاوض مع قيادات الإخوان الذين استسلموا للأمر الواقع ودعوا لانتخابات مبكرة خوفاً من أن يلاقوا نفس مصير إخوانهم في مصر. 

أما الانتخابات الرئاسية القادمة فهي تحمل تحدي أكثر خطورة، ليس فقط على تونس، ولكن على منطقة الشرق الأوسط ككل، من حيث احتمالية استغلال جماعة الإخوان لهذه الانتخابات كبوابة خلفية تسمح لهم بالتسلل من جديد إلى بؤرة المسرح السياسي في العالم العربي، بعد فشلهم وهزيمتهم ثم هربهم، في أعقاب ثورة مصر ضد حكم الإخوان في ٢٠١٣، وقيام العديد من الدول العربية بإعلان الإخوان تنظيماً إرهابياً، مما أدى إلى انهاك الجماعة بشكل واضح بفضل تشرذم قيادات الجماعة بين قطر وتركيا وبريطانيا وأمريكا، وانفصال القيادات عن القواعد والقيادات الوسطى للجماعة في مصر، فضلاً على فشل كل محاولات الإخوان في عمل أي مصالحات سياسية تتيح لهم العودة إلى مركز قوتهم من جديد في مصر. إلا أن الفراغ الجديد في السلطة السياسية في تونس قد أعاد الأمل لجماعة الإخوان في إمكانية العودة من جديد لسدة المشهد السياسي في العالم العربي، من خلال تصعيد فرع الإخوان في تونس للحكم مرة أخرى. 

بالنسبة لجماعة الإخوان المسلمين، قد تكون الانتخابات الرئاسية هي طوق النجاة أو المسمار الأخير في نعشهم، لكن الشعب التونسي وحده هو من بيده حسم هذه المسألة الآن. وإن كنت، بشيء من تفاؤل، استبعد أن يقع الشعب التونسي بكل ما يحمله من وعي وثقافة في فخ انتخاب الإسلاميين مرة أخرى، بل ربما تتبع تونس نهج دول أوروبا التي انحازت لليمين في الانتخابات التي جرت في الأعوام القليلة الماضية، بمعنى أنهم سينتخبون الشخص الذي سيظهر عداءاً واضحاً للإسلاميين ويتعهد بملاحقتهم عندما يصل للحكم، ولن يكون للمرشحين الإسلاميين أو المرشحين الذين يحاولون لعب دور محايد تجاه جماعات الإسلام السياسي، من باب التوازنات السياسية، أي نصيب في كسب تأييد شعبي. لكن كما يقولون: في السياسة - كما في الحب - لا شيء أكيد.