أثار مؤتمر الشباب فى الإسكندرية، الأسبوع الماضي، تساؤلًا مهمًا حول مخططات إفشال الدول، فى محاولة لتذكير المصريين بحجم المؤامرة التى تعرضنا لها قبل بضعة أعوام، واستعادة همتهم فى مواجهة الخطر الذى لا يزال قائمًا، والسعى نحو الارتقاء بمصر من دولة ضعيفة مهددة إلى مصاف الدول القوية القادرة على المنافسة سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا.
لقد نجح الرئيس السيسى فى «تثبيت دعائم الدولة المصرية» فى وقت قياسى وبشكل مبهر، بل واتخذت الدولة خطوات نحو تحقيق مثلث الرخاء الذى يتشكل من: أولًا قيام دولة ديمقراطية ذات مؤسسات شرعية تتمتع بالسيادة والقبول الشعبي، وثانيًا اقتصاد منيع متنام، وثالثًا مجتمع مدنى قوى ومؤثر.
وعلى الرغم من التقدم الكبير الذى حدث فى الضلعين السياسى والاقتصادى، يبقى المجتمع المدنى فى قاعدة مثلث الرخاء يعانى من مشكلاته التى تهدد بزلزلة استقرار كل المجهودات التى اتخذت بالفعل، وهو ما نتمنى أن تنتبه له الدولة فى الفترة المقبلة.
ليس سرًا أن المجتمع المدنى بشقيه الحقوقى والخيرى قد أضر كثيرًا بالدولة المصرية فى السابق، فقد كان هو المنصة التى نفذت من خلالها جماعة الإخوان المسلمين إلى قلب المواطن البسيط، من خلال اللعب على احتياجاته التى حال الفساد فى عهود سابقة دون قدرة الدولة على تحقيقها، عبر إنشاء جمعيات خيرية ودينية تدس سموم الفكر الإرهابى لهذه الجماعة فى نفوس القواعد الشعبية، حتى استطاعوا فى غفلة من الزمن سرقة الوطن بأكمله.
كما تحول الكثير من المنظمات الحقوقية فى تلك الفترة المضطربة، قبيل ثورة يناير، إلى أحزاب سياسية معارضة ومغرضة، تدافع عن كل ما من شأنه هدم الوطن، وتستغل قيما سامية نسعى لها جميعًا مثل «الديمقراطية» و«حقوق الإنسان» كستار لكسر هيبة الدولة وإشاعة الفوضى، وكانت النتيجة ثورة غضب قضت على الأخضر واليابس ثم تركت الشارع المصرى يعانى وحده من تبعات ما خلفه الهدم الأعمى من خراب، دون تقديم أى حل باتجاه إعادة بناء وترميم ما تم إتلافه.
وعلى الرغم من أن عناية الله وجيش مصر الباسل ورؤية رئيس مصر الحصيفة قد أنقذتنا من المصير المؤلم الذى وقع فيه جيراننا، فإن المجتمع المدنى بشكله الحالي، ما زال بابًا مفتوحًا لإعادة التدمير لو لم تبادر الدولة إلى التعامل معه، والمبادرة هنا لا تعنى إغلاق الباب، ولكن الدخول منه إلى عالم المجتمع المدنى وتنقيته وإعادة ترتيبه ليمارس دوره المنوط به فى معاونة الدولة على القيام بدورها لتحقيق أعلى درجات الرخاء للمواطن، فالمجتمع المدنى سيظل دائمًا هو الكيان الأكثر التصاقًا بالشارع والأكثر تأثيرًا على القواعد الشعبية نظرًا لعلاقته المباشرة مع المواطنين.
لعل قانون الجمعيات الأهلية الجديد هو خطوة أولى نحو عملية إعادة ترتيب المجتمع المدنى من الداخل، لما يتضمنه من نصوص حققت التوازن المطلوب بين حرية عمل المجتمع المدنى ودور الدولة الإشرافى عليه. لكن القانون وحده لا يكفي، ويجب أن يتبع بإجراءات عملية لإعادة هيكلة المجتمع المدنى الحقوقى والخيرى من الداخل، واستحداث أجيال جديدة من الشباب الواعى والمتفهم لدور المجتمع المدنى فى دعم الدولة، لتحل محل العناصر الفاسدة التى تتحدث باسم المجتمع المدنى اليوم فى داخل مصر وفى المحافل الدولية.
أما عن آليات تحقيق هذا الهدف، الذى لا يقل أهمية عن الإصلاحات السياسية والاقتصادية التى تشهدها مصر حاليًا، فسوف أعرض له بالتفصيل فى مقالات تابعة.