عندما خرج الشعب المصري بعشرات الملايين في 30 يونيو، لم تكن ثورتنا ضد جماعة الإخوان وحدها، ولكن ضد كل أشكال الإسلام السياسي الذي شكل تهديداً صريحاً للهوية المصرية بمحاولاته الفاشلة لتدنيس الإسلام واستغلاله في حشد البسطاء لتحقيق مكاسب سياسية يستطيعون من خلالها نشر الأفكار المتشددة التي يروجونها في فتاويهم ليل نهار؛ بدءاً من تحقير المرأة والتعامل معها على أنها عورة، وتحريم تهنئة الأقباط، وتكفير المختلفين معهم، وإنتهاءاً بإهانة الوطن بشكل صريح برفضهم للوقوف لتحية العلم وتحريم النشيد الوطني، وهو الأمر الذي انتهوا عنه مؤخراً بعد أن كانوا يحرمونه من باب موائمة الظروف واستغلال الفرصة السياسة المتاحة.
تكونت الأحزاب الدينية التسعة التي نرجو حلها، في مرحلة الفوضى السياسية التي حدثت بعد ثورة 25 يناير مباشرةً، واستغلت فترة وجود جماعة الإخوان الإرهابية في الحكم لتثبت قواعدها، ولهذا لم يكن مستغرباً ما قامت به معظم هذه الأحزاب من حشد لجماعة الإخوان في الانتخابات البرلمانية 2011 والرئاسية 2012، ثم في أوكار رابعة والنهضة في 2013، وكانت مساندتها للإخوان قائمة على أسس دينية بحتة لا علاقة لها بالسياسة ولا بمصلحة الوطن.
واليوم تريد هذه الأحزاب المشاركة في الانتخابات البرلمانية المرتقبة بطموح الحصول على أكبر عدد من المقاعد لنعيد نفس مأساتنا مع الإخوان ولكن بذقون جديدة هذه المرة.
ولأننا لن ننتظر حتى تتكرر المأساة، فقد أطلقت في مصر منذ أيام حملة شعبية مستقلة بعنوان "لا للأحزاب الدينية" بدعوة من الناشط محمد عطية منسق الحملة، وهي حملة مهمة أدعو كل المصريين للمشاركة بها، وكان لي شرف الالتحاق بها ضمن مئات من الشباب والشخصيات العامة للتعبير عن الرفض الشعبي لاستمرار وجود تسعة أحزاب دينية على الساحة السياسية بما يخالف الدستور، وتدعو المواطنين لتفويض القائمين على الحملة من خلال ملأ استمارة برفع دعاوى قضائية تطالب بحل تلك الأحزاب، وغلق الثغرات في قانون الأحزاب التي مكنتهم من النفاذ إلى سطح العمل السياسي في مصر.
بعدما دشنا الحملة بساعات، خرج قادة إحدى هذه الأحزاب بتصريحات مستنكرة تصب في نقطتين رئيسييتين، الأولى تدعي أن هدفنا هو المنافسة السياسية معهم، رغم أن القائمين على الحملة كلهم من الشباب المستقل الذي لا ينتمي لأي أحزاب، ولا ننوي نزول الانتخابات البرلمانية، وهذا ينفي تماماً إدعاء المنافسة.
أما النقطة الثانية، والخادعة، فكان فحواها أن المطالبة بحل الأحزاب الدينية فيه إقصاء لفئة معينة ذات قواعد شعبية وأن هذا يتنافى مع مبادئ الديمقراطية، ويبدو لي أن هذا ما يغل يد ولاة الأمر في مصر من الإطاحة بهذه الأحزاب خارج المشهد السياسي خوفاً من تهمة الإقصاء، لكن هذه كلمة حق يراد بها باطل.
أولاً؛ القواعد الشعبية التي تتحدث عنها تلك الأحزاب الدينية تم حشدها عبر منابر المساجد واعتماداً على وعود دينية لا علاقة لها بأي فعل سياسي حقيقي، وفي هذا فساد أراه أكبر من الفساد السياسي والمالي المعروف، ومن واجب ولاة الأمر بالدولة المصرية محاربته ووضع حد له.
ثانياً؛ الديمقراطية لا تساوي الانتخابات، الديمقراطية هي مجموع الممارسات التي تسمح للمواطن بتقرير مصيره بنفسه من خلال إعطائه مجموعة من الاختيارات الصالحة في إطار رؤية الدولة الشاملة لتحقيق التقدم، ومن واجب الدولة التأكد أن الاختيارات المتاح للمواطن الانتخاب من بينها كلها سليمة وصالحة وتتفق مع الرؤية العامة.
وإلا سنفتح الباب لإساءة استغلال مبدأ الديمقراطية بنفس المنطق الذي يساء به استغلال الإسلام على يد هؤلاء لتحقيق طموحهم السياسي. وأخيراً، مصر أكبر!