هكذا كانت أحلامي التي رصدتها في مقال كتبته و نشرته العام الماضي في الخليج, و الحمد لله تحققت الأحلام
غدا ألمس الشمس
داليا زيادة
اندفعت جريا من داخل غرفتي بسرعة حتى المروحة المعلقة في سقف حجرة الاستقبال ثم قفزت و لمست المروحة و عادت قدماي لتستقر مرة أخري علي الأرض , ما هذا ما ذا حدث و لماذا فعلت هذه الحركة تحديدا؟ لا ادري لم يكن ذلك إلا ترجمة حركية لا شعورية لا إرادية وجدتني افعله دون أن أدرك لمجرد أني سمعت خبر أفرحني في تليفون من إحدى صديقاتي , ضحك اخوتي و ابتسمت أمي ثم اقتضبت ملامح وجهها و أوشكت علي البكاء توقفت و نظرت و عرفت ما وراء حزنها , تركت الجميع من يضحك يضحك و من يبكي يبكي و عدت إلي غرفتي لكني لم أدخلها وقفت علي الباب أراقب تلك المروحة المعلقة في السقف بعيدا , و تذكرت أنها كانت في يوم من الأيام هي كل أحلامي , كانت تمر بي الساعات و أنا اقف تحتها أراقبها و اقفز نحوها المرة بعد المرة محاولة أن المسها مجرد لمس دون جدوي و كان أبى يقف خلفي يراقبني و يبتسم أو يضحك و كثيرا ما كان يقهقه بضحكاته الجميلة , و عندما أدرك وجوده كنت استسلم و اطلب منه أن يرفعني حتى المس المروحة لكنه كان دوما ما يرفض و يقول "لا تتعجلي انظري إلى نفسك الآن طولك لا يتجاوز ثلاثة أرباع المتر و عمرك لا يتجاوز السبعة أعوام انتظري حتى تكبري " فاغضب أنا دون أن ابكي فيقبلني و يقول لامي "ابنتك طموحة" .
و الآن صرت أطول و الثلاثة أرباع المتر وصلت إلى متر و خمس و ستون سم , والسبعة أعوام صاروا أربعة و عشرون عاما , و أخيرا استطعت أن المس المروحة المعلقة بعيدا في السقف , و لكن أين أبى ليقبلني قبلته المعهودة و يسمعني شدي قهقهته , لم أتمنى لو كان ما زال أبى حيا إلا في هذه اللحظة , اللهم ارحمه.
طردت الفكرة المحزنة من رأسي سريعا بعد أن سألت الله الرحمة لأبى , وشغلت نفسي بالخبر السعيد الذي أخبرتني به صديقتي علي الهاتف , فمن اليوم أصبحت أنا "سيدة أعمال" نعم "بيزنس ومان" كما يقول ابناء العم سام , ولن يقف شيئا في طريقي بعد اليوم , فها هي اللبنة الأولى قد وضعت , و ها أنا لمست المروحة المعلقة في السقف بعيدا بيدي.
انتظرت حتى نام الجميع وتسللت من حجرتي إلى الصالة حيث المروحة التي لم تصبح بعيدة بعد الآن و أخذت اكرر القفزة وراء الأخرى و كأني أؤكد لنفسي أنى قد وصلت إليها فعلا , كررت اللعبة حتى زهدتها و رحت اطمح إلى السقف , حاولت أن المس السقف و لكني لم استطع , فمازال بعيدا , شعرت باستياء , و راحت فرحتي , و شغل السقف كل تفكيري كيف أقفز قفزة عالية جدا أستطيع بها أن المس السقف , كيف ؟ هل انتظر؟ و لو انتظرت ماذا سأنتظر؟ أن يزيد عمري عن الأربعة و عشرين سنة مثلا؟ حتى لو حدث ذلك لن يزيد طولي و ربما سأكون أضعف من الناحية الجسدية ! يا الله , أنا في أزمة ماذا افعل الآن , أريد أن المس السقف الآن , لكن حتى لو لمست السقف هل سأشبع ؟ أم أنى سأطمح إلى ما وراء السقف ؟ إلي الشمس , نعم أنا أريد أن المس الشمس الآن ؟ لكن أولا لابد و أن المس السقف؟ كم سأنتظر ؟ ماذا افعل ؟ ما هي التغيرات التي ستحدث بي و تسمح لي بملامسة السقف ثم الشمس مثلما حدث في الماضي و تغيرت مقاييس جسدي فاستطعت الآن لمس المروحة ؟
أتعبني التفكير و اتبعتني المحاولات الفاشلة ؟ فقررت أن اذهب إلى حجرتي و أنام بعد أن وعدت نفسي و وعدت روح أبى بعدم اليأس , و نمت و أنا شبه موقنة أنى غدا قريبا سألمس الشمس . المسألة مسألة وقت!