Saturday, October 01, 2022

كيف نعظم أثر اتفاقيات إبراهيم؟


أصبح المشهد في الشرق الأوسط مأساوي بدرجة كبيرة، ليس بسبب النزاعات المسلحة وانتشار الجماعات الإرهابية والأزمات الاقتصادية الطاحنة التي أصبحت مع مرور الوقت جزء من ملامح المنطقة، ولكن بسبب التناقضات السياسية التي باتت تنقش بقسوة وجه الشرق الأوسط الجديد.

على البوابات الشرقية لمنطقة الخليج، يقتل النظام الإيراني بلا رحمة نشطاء الحقوق المدنية ويطاردهم بطائرات مسيرة في جبال إقليم كردستان شمال العراق، تحت أعين وأذان القادة الإقليميين والمجتمع الدولي الذين لم يرد أي منهم على وحشية النظام الإيراني، ولا حتى بمجرد إدانة إعلامية.

في غضون ذلك، تنشغل تركيا في تخفيف الآثار السياسية والاقتصادية للصراعات التي تحدث في محيطها، لا سيما في البحر الأسود وأوراسيا، بالإضافة إلى التعامل مع الاشتباكات الدبلوماسية في شرق البحر المتوسط والحرب التي تعد لها منذ فترة على الجماعات الإرهابية في الشام. 

لكن، هناك بصيص أمل في هذا المشهد الكئيب، يظهر بشكل واضح في التعاون المتزايد بين إسرائيل وجيرانها في الشرق الأوسط، بما في ذلك الدول العربية وتركيا. كانت اتفاقيات إبراهيم الموقعة بين إسرائيل والإمارات، في شهر سبتمبر قبل عامين، بمثابة بداية للتوجه السائد الآن نحو تطبيع العلاقات والمصالحة بين دول منطقة الشرق الأوسط. لقد ساهمت اتفاقيات إبراهيم في تحويل العلاقة بين العرب وإسرائيل من حالة سلام بارد أو مستتر إلى حالة تعايش وتعاون حقيقي، رغم أن ذلك تطلب تنحية الخلافات غير القابلة للحل، مثل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، الذي طغى لفترة طويلة على عملية تشكيل السياسات الإقليمية والمحلية. 

لعقود طويلة، كان يُصنف الصراع الإسرائيلي الفلسطيني على أنه صراع عربي إسرائيلي. إلا أن التحولات السياسية التي مرت بها المنطقة منذ الربيع العربي قد أظهرت أن العلاقات العربية الإسرائيلية والعلاقة الإسرائيلية الفلسطينية هما مساران متوازيان، وليسا متقاطعين. هما يرتبطان ببعضهم بدرجة ما، لكن لا يجب بالضرورة أن يؤثر كل منهما على تطور الآخر، أو أن تطور أحدهما هو بالضرورة شرط لتطور الأخر. هذا المفهوم المتحرر، المستوحى من اتفاقيات إبراهيم، هو الذي فتح الباب لكل التحولات الإقليمية الإيجابية التي نراها اليوم، ونأمل أن تستمر. 

على الرغم من ذلك، فإن تطور العلاقة بين العرب وإسرائيل من حالة صراع وعداء عقائدي إلى تعاون سياسي واقتصادي وأمنى، لم يحدث بين عشية وضحاها. لقد ظل هذا التحول يختمر لمدة عشر سنوات على الأقل، منذ أن أطاحت ثورات الربيع العربي بالأنظمة الديكتاتورية العربية التي كانت تضخم الصراع الإسرائيلي الفلسطيني لصرف انتباه المواطنين في الداخل عن فشل وفساد أنظمتهم. تعد مصر من أبرز الأمثلة على التحول الجذري في الموقف الحكومي والجماهيري تجاه إسرائيل بعد سقوط نظام مبارك. 

على الجانب الآخر، بدأت إسرائيل التي شعرت بخيبة أمل تجاه السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط، بعد وصول بايدن للحكم، في التفكير في أهمية تحقيق توازن بين اعتمادها التاريخي على الولايات المتحدة في مقابل بناء علاقات امنية واقتصادية قوية مع جيرانها العرب. 

تعد قمة النقب، التي عقدت في شهر مارس في إسرائيل، هي نقطة الذروة لهذا التحول التاريخي في العلاقات العربية الإسرائيلية، حيث أظهرت صورة ختام القمة، التي وقف فيها القادة العرب والإسرائيليين ممسكين بأيدي بعضهم البعض، أن الشرق الأوسط يمر بمرحلة نضج سياسي طال انتظارها، تتمثل في سعي قادة المنطقة للتعاون على أسس واقعية وعملية. في ختام قمة النقب، أشار وزير الخارجية الإسرائيلي، لبيد، بجرأة إلى أن هذه القمة تخيف إيران لأن "القدرات المشتركة التي نبنيها ترهب وتردع أعداءنا المشتركين، وفي مقدمتهم إيران ووكلائها".

في الواقع، إن الدافع الرئيسي للتعاون المتزايد بين العرب وإسرائيل هو مواجهة التهديد الأمني المشترك لإيران وميليشياتها المنتشرة على نطاق واسع. لقد خلقت الموجات الغاضبة للثورات الشعبية التي اجتاحت منطقة الشرق الأوسط من تونس إلى سوريا، قبل عقد من الزمن، فراغًا أمنيًا استغلته إيران بشكل سريع وماكر للتسلل إلى الهياكل الأمنية للبلدان ذات المواقع الجغرافية الاستراتيجية الحرجة حول شبه الجزيرة العربية، مثل اليمن، وتهديد أمن دول الخليج العربي من خلالها. 

إلا أن اللحظة التاريخية الحالية التي يشهدها الشرق الأوسط فيما يتعلق بإنهاء الصراعات والتوافق بين الدول الفاعلة، لا يمكن له أن يستمر على المدى الطويل اعتماداً فقط على فكرة مواجهة التهديد المشترك الذي تمثله إيران على أمن دول الخليج العربي وإسرائيل. بدلاً من ذلك، تحتاج دول الشرق الأوسط إلى العمل معًا من دافع اختيار وليس من دافع ضرورة. بمعنى أخر، تعتمد استدامة لحظة اتفاقات إبراهيم على خلق حالة من التعاون المتبادل بين إسرائيل والدول العربية وتركيا تجاه تحقيق رؤية وأهداف تنموية مشتركة، بما يتجاوز التعاون المحدود من أجل مواجهة تهديد مشترك. 

في غضون ذلك، يجب أن تكون هناك طريقة لاستخدام لحظة التعاون العربي الإسرائيلي للتوصل إلى حل عملي ومستدام للصراع الإسرائيلي الفلسطيني، والذي يعاود الظهور على السطح من وقت لأخر متسبباً في أضرار كبيرة على كل ما يتم إحرازه من تقدم في مسار تعزيز العلاقات العربية الإسرائيلية. لعل احتجاجات الشيخ جراح التي سرعان ما تطورت إلى حرب في غزة العام الماضي هي أوضح مثال على ذلك.

أخيراً، لضمان استدامة التوجه نحو السلام في المنطقة، يجب بذل الجهود على مستوى أعمق من العلاقات النخبوية بين الدول، حيث لا يزال الوصول إلى جوهر التفاهم الشعبي بين العرب والإسرائيليين يمثل تحديًا كبيرًا على الرغم من اتفاقيات إبراهيم والتعاون الاقتصادي المتنامي بين إسرائيل والدول العربية، في السنوات الأخيرة.