إليكم نص كلمتي عن المرأة وحقوق الإنسان والتي ألقيتها في ندوة نظمتها السفارة الأمريكية بالتعاون مع جمعية الصداقة الأمريكية يوم الأربعاء 17 فبراير في إطار احتفالاتهم السنوية بأعياد المرأة.. أتطلع بشغف إلى تعليقاتكم:
أولاً أحب أشكر السفارة الأمريكية وجمعية الصداقة المصرية الأمريكية على هذه الدعوة الكريمة للحديث عن المرأة وحقوق الإنسان،
في الحقيقة أنا عاوزة أركز في كلمتي اليوم على نقطة أساسية بتتحكم في الدور الذي يتوجب على المرأة لعبه لتنمية المجتمع من منظور مدني، آلا وهي:
الكفاح من أجل الحصول على مزيد من الحقوق السياسية والإقتصادية بالمواجهة أو بالأحرى التحدي مع الموروثات الثقافية وأشكال التشدد الديني التي أصبحت ذات تأثير كبير على المجتمع المصري مؤخراً.
أحب أبدأ كلامي بخبر أذيع على مسامعنا من يومين فقط ومن شدة سخافته أعتبره أقرب للنكتة، والخبر هو:
"الجمعية العمومية لمجلس الدولة ترفض تعيين المرأة كقاضي بنسبة 380 صوت ضد 42 صوت، وامتناع 4 عن التصويت"
الطريف هنا أن هذا حدث داخل مجلس الدولة والمصوتين هم السادة القضاة المنوط بهم تطبيق قواعد المساواة وعدم التمييز التي يكفلها الدستور.
لو كان ذلك حدث من رجل الشارع العادي الذي يعاني من التخبط والتضارب بين فتوة دينية متشددة وغير مؤسسة هنا وقمع سياسي أو اقتصادي هناك، لكان الأمر مبرر.. لكن للأسف هذا الكلام صدر عن مجموعة نعتبرهم من النخبة ونظنهم على قدر من الثقافة وتفتح العقل تسمح لهم بكسر الصورة التقليدية للمرأة والوقوف إلى جانبها لتقلد مناصب قيادية غير معتادة في مجتمعنا مثل منصب القضاء
في الحقيقة، هنا مربط الفرس، وهنا الأزمة والمشكلة الحقيقية.. لا أحد ينكر أن مصر واحدة من الدول الرائدة في مجال حقوق المرأة، ولكن هذا على مستوى الدولة والدستور، وبعض القوانين فقط، والتي تصطدم دائماً بالحقيقة المرة لصعوبة تحقيقها أو تطبيقها على أرض الواقع:
- مع بداية الألفية الجديدة حصلت تطورات رائعة على المستوى القانوني فيما يخص حقوق المرأة، وتفعيل دورها في المجتمع: قانون الأحوال الشخصية تم تعديله بما يسمح للمرأة بمزيد من حرية الحركة والسفر، حرية البقاء مع الزوج أو تركه (قانون الخلع)، حرية وضع شروط على الزوج ضمن عقد الزواج، وفي سنة 2004 أصبح من حق المرأة منح الجنسية لأبنائها، صدرت قوانين تجرم عادة الختان، والزواج المبكر للبنات، قوانين ضد التحرش الجنسي، والعنف ضد المرأة... إلى آخره
لكن لمشكلة الحقيقية هو أن القوانين التي تم تعديلها بالفعل تعتبر – على الرغم من أهميتها – قشور بالنسبة للقوانين الواجب فعلياً الاهتمام بها والعمل على تغييرها، ومنها على سبيل المثال لا الحصر:
- المادة 11 في الدستور التي تلزم المرأة بالتوفيق بين عملها وواجباتها المنزلية، مع غياب وجود مادة مماثلة للرجل مثلاً
- كما ينص الدستور على أن المرأة مكفول لها كل الحقوق السياسية والإجتماعية والإقتصادية بما لا يخالف الشريعة الإسلامية، وهذا الشرط للأسف يختلف تفسير هذه المادة وفقاً لإختلاف درجة التدين أو لنقل التشدد في المجتمع
- مازال الرجال يحصلون على عقوبات مخففة فيما يعرف خطأً بجرائم الشرف
- مازالت المرأة تساوي نصف الرجل في الشهادة والميراث على الرغم من أن الدكتورة زينب رضوان عضو مجلس الشعب وأستاذة متخصصة في دراسة الشريعة الإسلامية أثبتت خطأ التفسيرات للنصوص المقدسة والتي تحرم المرأة من التعامل على نفس قدم المساواة مع الرجل أمام القضاء لا لشيء إلا بسبب أنها إمرأة
- مازالت المرأة الغير مسلمة لا تستطيع أن ترث من زوجها المسلم، بينما يستطيع الرجل المسلم أن يرث من زوجته غير المسلمة
- مازالت المرأة لا تستطيع نقل جنسيتها لزوجها الغير مصري، بينما يستطيع الزوج المصري فعل ذلك لزوجته الغير مصرية
- القانون يكفل للمرأة فرص اقتصادية وتعليمية متساوية، لكن المرأة بدافع ديني وثقافي (أي وفقاً للعادات والتقاليد) ما زالت تُمنع قسراً أو تمتنع عن ممارسة عمل تنموي في المجتمع وبالتالي تتحول من كائن منتج لكائن مستهلك وخامل بحجة أن الرجل هو المسؤول عن كسب الرزق
- كمان حدث ولا حرج بالنسبة للقوانين التي تم تعديلها لتجرم أفعال مرتبطة بالعنف ضد المرأة مثل الختان وجرائم الشرف والتحرش الجنسي فالحديث فيها يطول، وربما لن يتسع له وقتنا هنا، فالبرغم من وجود تلك القوانين تبقى المشكلة الكبيرة وهي أن تلك التعديلات الرائعة لم تجد سبيلا لتفعيلها على أرض الواقع، لعدة أسباب أهمها الدوافع الدينية المتشددة والنظرة الدونية للمرأة داخل المجتمع الأبوي المحافظ الذي يجبرها على عدم الإفصاح عن ما تتعرض له من عنف خشية الفضيحة، وأحياناً بدافع التضحية والحفاظ على بيت الزوجية.
منذ أعوام قليلة قامت جمعية نهوض وتنمية المرأة بعمل ملجأ للنساء اللواتي يتعرضن لعنف أسري أو أي شكل آخر من أشكال العنف، وبالفعل لجأ إليه رقم كبير من النساء لكن الجمعية واجهت انتقادات ومضايقات غير عادية من الصحف وبعض أجهزة الدولة بوصل بعضها إلى تشويه سمعة الجمعية واتهامها بالعمل في الدعارة وتشويه سمعة النساء اللاتي يلجأن إليها أيضاً، بحجة أنهم يخبأون النساء، وبسبب عدم رغبة الجمعية عن الإفصاح عن مكان النساء لحين إتمام إعادة تأهيلهم نفسياً وضمان حمايتهم في حالة عودتهم لأسرهم..
وهنا تطرح مشكلة الثقافة المجتمعية نفسها من جديد، فالبرغم من نبل وعظمة فكرة هذا المشروع، مازال المجتمع ينظر للمرأة على أنها ملك للرجل وليس من حقها اللجوء لغيره أو طلب الحماية إذا ما تعامل معها بعنف!!
تحضرني هنا أيضاً قصة نهى رشدي، الشابة الشجاعة التي لم تتجاهل أحد المتحرشين بها في الشارع وهو سائق سيارة نقل وأصرت على أن تأخذه للقسم.. لكن كانت المفاجأة أنه على الرغم من أن نهى كانت ضحية تسعى لاسترداد كرامتها ممن أهانها، كان الجميع يلومها على ما تفعله بدءاً من الناس اللي في الشارع لغاية ضابط الشرطة الذي تردد كثيراً في تحرير محضر تحرش لإثبات الواقعة
وعندما أصدرت الدولة قانون يجرم ممارسة ختان الإناث بعد موت طفلة أثناء إجراء العملية لها عام 2007 خرج علينا رجال الدين بفتاوي تجرم القانون الذي يجرم الختان، في نفس الوقت الذي تورطت فيه جماعات سياسية مثل الإخوان المسلمين في انتقاد القانون ومحاولة إثبات أن عادة ختان الإناث أمر محمود وأنه لو طبق القانون وتوقفنا عن تقطيع أجساد النساء ستعم الرذيلة في المجتمع!!
يعني كمان الناس مش تحت رحمة الفتاوى الدينية والأعراف الإجتماعية لكن كمان أصبحوا عرضة لتأثير الجماعات السياسية.
-----------------------------
هذا على المستوى القانوني، خلونا نستعرض سريعاً الجانب السياسي
على المستوى السياسي، فلا ننكر أننا أحرزنا تقدم ملحوظ أيضاً، فقد أصبحت المرأة منخرطة بدرجة أو بأخرى في تقلد مناصب قيادية وفي الأنشطة العامة للشارع السياسي المعارض أيضاً. فقد أصبح لدينا: أول مرأة تشغل وظيفة مأذون، أصبح لدينا ثلاث وزيرات (وزيرة العمل، وزيرة الأسرة والإسكان، وزيرة التعاون الدولي) وأصبح لدينا قضاة نساء على الرغم من إنحسارهم في محاكم الأسرة فقط، لكن هذه خطوة لا يستطيع أحد تجاهلها، وهناك تعديلات بشأن وضع حد أدنى لتمثيل النساء في البرلمان، إلى أخره..
لكن دعونا نعيد النظر هنا، فهل هذا فقط هو ما تستحقه المرأة المصرية صاحبة التاريخ الطويل في العمل السياسي.
صحيح أن الأوضاع السياسية القائمة تؤثر سلباً على الرجل والمرأة لكنها بكل تأكيد وقعها على المرأة أكبر بسبب تداخلها مع أوضاع سلبية إجتماعية وثقافية أيضاً:
فمثلاً، في انتخابات 2005 البرلمانيةكان عدد المرشحات من النساء 131 مرشحة فقط من بين 5165 مرشح رجل.. فاز منهن 4 مرشحات فقط، مع العلم بأن أغلبهن تم تقديمه لخدمة أغراض أخرى بعيدة تماماً عن الإيمان بحقوق المرأة، مثل تحسين صورة جماعة أو حزب معين، وهكذا..
وبالإضافة إلى الفائزات الأربعة، عين الرئيس مبارك خمسة آخرين ليصبح الإجمالي تسعة عضوات بالبرلمان
قبل أن تستقيل شاهيناز النجار، وقيل وقتها أن السبب في استقالتها هو ضغط زوجها أحمد عز، رجل الأعمال وعضو مجلس الشعب والحزب الوطني الحاكم... وهذا الإدعاء إن صح يثبت مرة أخرى أن الظروف الإجتماعية للناشطة السياسية تتحكم كثيراً في طموحاتها لتولي مناصب قيادية
في مسح أجراه البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة عن تقبل الشارع المصري لتقلد المرأة مناصب قيادية، جاءت النتائج كما يلي:
- أكثر من 40% كانوا ضد ترشيح المرأة في الانتخابات
- 25.7% فقط كانوا مع حق المرأة في تولي رئاسة الجمهورية والترشح لها
وهذا ربما يفسر لنا عدم اهتمام الأحزاب بترشيح أسماء نسائية بعدد كبير في الإنتخابات البرلمانية، وكانوا يكتفون بترشيح كام اسم نسائي للظهور بمظهر حضاري ومتفتح ومتفهم لحقوق المرأة،
لكن هذه ليست الحقيقة، فقد انساقت هذه الأحزاب والتكتلات السياسة وراء رغبة رجل الشارع المتأثر سلباً بتضارب الفتاوى الدينية والمورثات الثقافية للمجتمع الذكوري، فهمشوا المرأة،،،، مما أضطر بعض القياديات السياسيات لترشيح أنفسهن كمستقلات، وتحمل أعباء الحملة الإنتخابية بمفردهن، وهنا تأتي المشكلة الأهم والتي منعت عدد لا بأس به من ذوات الكفاءة والخبرة من ترشيح أنفسهن بسبب القيود الإقتصادية والإجتماعية التي تسيطر عليهن، من حيث أن الإدارة الإقتصادية لأموال المرأة هي غالبا في يد الزوج، وبالتالي يكون هو صاحب القرار هنا في أن يترك زوجته ترشح نفسها أو لا.. هذا إذا تسامح مع عامل الغيرة الإجتماعية ورفض المجتمع لأن تكون زوجته في منصب أفضل منه!
أذكر جيداً عندما أعلنت الدكتورة نوال السعداوي الناشطة النسوية الشهيرة رغبتها في ترشيح نفسها لانتخابات الرئاسة، وخرجت عليها الفتاوى الدينية كالمطر من شيوخ الأزهر وغيرهم من رجال الدين بعدم أحقية المرأة لتولي منصب قيادي مثل رئاسة الدولة. وعلى الرغم من أن مفتي الجمهورية أقر بأحقية المرأة لذلك فيما بعد.. ما زال الأمر مختلف عليه بين رجال الدين ولم يحسم حتى الآن.
هذا على المستوى القيادي، طيب ماذا عن المستوى الشعبي؟ ماذا عن المشاركة السياسية للمرأة في الشارع
تذكر التقارير الصادرة عن منظمات حقوقية محلية ودولية راقبت انتخابات 2005 البرلمانية أن إقبال النساء على لجان التصويت كان ضعيف جداً وشبه معدوم، باستثناء الناشطات في حركات سياسية أو جماعات تابعة لمرشح أو مرشحة بعينها، وكان السبب في عزوف النساء عن المشاركة باصواتهن في الانتخابات البرلمانية هو الكم الهائل من العنف وعدم تأمين لجان التصويت بالدرجة الكافية التي تكفل حماية المواطنين، فقد تعرضت بعض النساء لتحرشات ومضايقات لفظية من بلطجية، قيل وقتها أن المنافسين كانوا يدخلون بهم لجان التصويت لصرف هؤلاء النساء بعد مضايقتهم.. هذا فضلاً عن الثقافة السائدة أصلاً والتي تفيد بأن الإنتخابات والسياسة عموماً هي مسرح الرجال ولا يليق بالمرأة أن تتواجد أو تتزاحم مع الرجال هناك.
على جانب أخر، يلعب قانون الطواريء الذي تم تجديد العمل به منذ أيام قليلة دور لا بأس فيه في عزوف المواطنين عموماً والنساء خصوصاً عن المشاركة السياسية، باستئناء بعض الناشطات الشابات في صفوف المعارضة أو في مجال العمل الصحفي واللاتي لا يتجاوز دورهن الكتابة وتنظيم الحملات على الإنترنت، أو الإحتجاجات على صفحات الجرائد، فهناك تضيقات لا حصر لها يفرضها قانون الجمعيات على الرغم من أن مواد الدستور تكفل حرية التجمع وإقامة الجمعيات وهناك قيود كبيرة جداً على حرية الرأي والتعبير على الرغم من أن الدستور يكفلها أيضاً لذلك أنحصر لعب الدور السياسي المعارض بدرجة كبيرة على صفحات الإنترنت وبعض الصحف المستقلة
وعلى ذكر الإنترنت هنا، أحب أن أؤكد أنه بوصفي مدونة منذ سنوات، أعتبر أن شبكة الإنترنت أو العالم الإفتراضي هو المكان الوحيد الذي تستطيع فيه المرأة المصرية أو ربما العربية أيضاً الحصول على حريتها كاملة فيه، ففي عالم التدوين مثلاً لا يتعامل الشباب والبنات على أساس النوع ولكن على أساس الإنتماء السياسي والأفكار المطروحة بغض النظر عن كون صاحبها ذكر أو أنثى..
وأخيراً، أحب أن أؤكد أنه يجب علينا كدولة ومجتمع مدني وحتى ناشطات مستقلات في مجال العمل على حقوق المرأة، أن نعمل على تبني خطاب جديد للمرأة:
- خطاب يسعى إلى تغيير العقليات لا إلا الإكتفاء بتغيير القوانين التي لا يمكن تفعيلها على أرض الواقع،
- خطاب نتوجه به إلى المرأة والرجل، حيث يجب علينا بنفس القدر الذي نخاطب به النساء ونعرفهن بحقوقهن أن نخاطب الرجال أيضاً وندربهم على ثقافة حقوق المرأة والمساواة الإجتماعية بغض النظر عن النوع
- خطاب يمنح المرأة المزيد من القدرات التي تتيح لها حسن إدارة مواردها الإقتصادية، وأن تتحول من عنصر إستهلاك إلى عنصر إنتاج وتنمية،
- يجب آلا تكتفي منظمات المجتمع المدني بمنح النساء قروض لمشروعات صغيرة، لأنه وعلى الرغم من أهميتها، لن تستطيع النساء الاستفادة بها إلا إذا كانت تمتلك المهارات والقدرات اللازمة
- نحن بحاجة إلى خطاب معتدل لا يخضع لتفسيرات أو اجتهادات رجال الدين الذين هم أنفسهم لا يتفقون على تفسيرات محددة وموحدة على أغلب المواضيع المتعلقة بالمرأة، يجب أن تكون مرجعيتنا مدنية في المقام الأول
- نحن بحاجة إلى تعديل القوانين التي تكفل للمرأة الحياة الكريمة سواء كانت بصحبة رجل أو بدون
- يجب أن نهتم بدور الإعلام وننمي إيجابياته ونقيم سلبياته فيما يخص نقل صور نمطية بالية وتعميمها عن النساء في مجتمعنا
- نحن بحاجة إلى خطاب يهتم بتعزيز المبادرات الشبابية وتفعيل دور نشطاء الإنترنت الذين نجحوا فعلاً في تطبيق المساواة في العالم الإفتراضي والإنتقال بهم إلى عالم الواقع
- تدريب النساء على تولي المناصب القيادية السياسية وتشجيعهن ومساندتهن من قبل الأحزاب والمجتمع المدني
- التواصل بشكل مباشر مع المرأة في الجامعة، وفي الطبقات القاعدية الفقيرة، بنفس القدر الذي نهتم به بالمرأة الناشطة أو صاحبة الرأي
إن الطريق إلى التغير الإجتماعي والسياسي والإقتصادي الإيجابي لن يحدث إلا بوجود المرأة، فالمرأة والرجل جناحان لطائر واحد.. إذا اجتمعا يطير، وإذا خمل أحدهم سقط الجميع.