Sunday, July 04, 2021

استغلال أثيوبيا للمسلمين في ترويج اعتداءها على نهر النيل




تتعمد الحكومة الإثيوبية إشراك الخطاب الديني في تبرير نزاعها مع كل من مصر والسودان بشأن نهر النيل. إن الأسباب التي دفعت حكومة أبي أحمد إلى تحويل صراع سياسي كهذا إلى صراع ديني، من خلال توظيف أئمة مسلمين موالين للحكومة للترويج لأجندته السياسية، في مجتمع ذي أغلبية مسيحية، هو أمر يستحق البحث والتدقيق.


منذ سنوات، كانت حكومة أبي أحمد الإثيوبية تروج لبناء سد النهضة الإثيوبي الكبير على أنه قضية قومية. إلا أن خطاب الحكومة الملغم بالأكاذيب حول الفوائد السياسية والاقتصادية التي قد يجنيها سد النهضة للأمة الإثيوبية، هو في الحقيقة لا يخدم إلا المصالح السياسية للنخبة الحاكمة. من ناحية، يبرر ذلك الإنفاق الهائل على بناء السد، بينما يكافح الشعب الإثيوبي مع الاقتصاد المتعسر. من ناحية أخرى، فإن هذا الخطاب الشعبوي يقدم لأبي أحمد غطاءً للفظائع التي يرتكبها بشكل يومي ضد المدنيين في تيجراي، ويداري على فشله في إدارة الصراع الحدودي مع السودان. بالإضافة إلى ما سبق، يخدم هذا الخطاب القومي المتشدد غرض حشد المواطنين الإثيوبيين للتصويت لأبي أحمد والساسة المفضلين لديه، في الانتخابات العامة التي تجري حالياً، على الرغم من فشلهم الواضح في إدارة شؤون الدولة وتدهور علاقات إثيوبيا مع أغلب جيرانها.


لسوء الحظ، وصلت المفاوضات الدبلوماسية حول الصراع على نهر النيل بين مصر والسودان وإثيوبيا، والتي استمرت لأكثر من عشر سنوات، إلى طريق مسدود، في شهر أبريل من هذا العام. مصر هي بلد المصب، في حين تقع إثيوبيا جغرافيا حيث ينبع النهر، والسودان تقع جغرافيا في المنتصف بين إثيوبيا ومصر. تعترض مصر والسودان على بناء السد على النيل الأزرق لأنه يؤثر على حصتهما في مياه النهر. أما الدعاية الحكومية التي تضج بها وسائل الإعلام الإثيوبية، فإنها تصور مصر بشكل غير عادل على أنها دولة أجنبية معتدية على سيادة إثيوبيا، فقط لأن مصر تحاول حمل إثيوبيا على توقيع اتفاقية ملزمة تحمي دول المصب من الانتهاك المحتمل لسد النهضة من قبل الحكومات الإثيوبية الحالية أو المستقبلية.


في خطابها الإعلامي الموجه للخارج، تبرر إثيوبيا بناء السد بالحاجة إلى توليد الكهرباء لنحو ٦٥٪ من السكان. وفي خطابها الإعلامي الموجه للجماهير الأثيوبية في الداخل، تروج الحكومة الإثيوبية أكذوبة غريبة الشكل والمعنى عن أن النيل هو عطية الله لأهل إثيوبيا، وبالتالي إثيوبيا هي المالك الوحيد الشرعي للنيل والدولة الوحيدة التي يحق لها التحكم في مياهه. الغريب أن هناك رجال دين يدعمون هذا الادعاء الكاذب بشدة، ويأتون بنصوص مسيحية ومسلمة لتعزير أكذوبة الحكومة. وبهذا المعنى، يزعمون أن إثيوبيا يحق لها حبس مياه النيل خلف سد، ثم بيعها لاحقًا لدول أخرى لكي تصبح غنية بنفس الطريقة التي استفادت بها دول الخليج العربي مثلاً من بيع النفط المكتشف في إطار منطقتها الجغرافية.


بعد فشل المفاوضات في أبريل، بدأت مصر والسودان في التفكير بجدية في خوض حرب مع إثيوبيا. في مارس، وقعت مصر اتفاقية تعاون عسكري مع السودان، تلتها مناورة عسكرية مشتركة في قاعدة مروي العسكرية في جنوب السودان، بالقرب من سد النهضة الإثيوبي. في أواخر مايو، أجرت مصر والسودان تدريبات عسكرية أخرى في جنوب السودان تحت عنوان "حماة النيل"، حيث نشرت مصر قوات برية ومعدات طيران متطورة لردع إثيوبيا عن استئناف ملء السد، الذي كان من المقرر إجراؤه في أوائل يونيو. في غضون ذلك، وقعت مصر اتفاقيات تعاون عسكري أخرى مع أوغندا وكينيا وبوروندي.


وسط التوترات السياسية والعسكرية المحتدمة، عمل قادة الجالية المسلمة الإثيوبيون بنشاط على إصدار فتاوى دينية لتعبئة المواطنين المسلمين لدعم بناء سد النهضة الإثيوبي الكبير. في مارس، أصدر الشيخ الحاج عمر إدريس، مفتي إثيوبيا، فتوى تدعي أن إثيوبيا هي المالكة لمياه النيل، وبالتالي ليس لمصر أن تطالب بأي حق في استخدام المياه التي تنبع خارج منطقتها الجغرافية.


قال الشيخ حاج عمر إدريس: "يقول المصريون إنهم تضرروا من انتفاع إثيوبيا بمياه النيل. هذا ليس عدلاً ويتعارض مع تعاليم الشريعة الإسلامية. لقد أثبت الشرع أن الدولة التي ينبع الماء فيها يجب أن تستفيد منه، ثم تعطي ما يفيض على حاجتها إلى جيرانها، إن شاءت". خلال صلاة عيد الفطر، في مايو، ظهر عدة أشخاص يحملون شعارات ولافتات تؤيد حق أثيوبيا الإلهي في حجب مياه النهر وراء السد وبيعها لمن يريد. استند إدريس في فتواه المضللة إلى أحد أحاديث النبي محمد. إلا أن دار الإفتاء المصرية دحضت هذه المزاعم ونشرت أحاديث نبوية تؤكد على أن المياه مورد طبيعي لا يمكن لأحد أن يمتلكه بشكل حصري لأن الانتفاع منه حق مشترك بين كل الناس.


وفي أوائل يونيو، قدم إمام الأزهر الدكتور أحمد الطيب، أثناء مشاركته عبر الفيديو في احتفالية الأمم المتحدة باليوم العالمي للبيئة، تعليق غير مباشر على الصراع المرتبط بسد النهضة، حيث قال: وأضاف الطيب خلال كلمته في احتفالية الأمم المتحدة باليوم العالمي للبيئة، أمس ‏الجمعة، أن “الدين ‏عند من يؤمن به ويحترم قوانينه، يحكم ‏حكما صريحا بأن ملكية الموارد الضرورية ‏لحياة الناس هي ملكية عامة. لا ‏يصح بحال من الأحوال، وتحت أي ظرف من ‏الظروف، أن تترك هذه الموارد ‏ملكا لفرد، أو أفراد، أو دولة تتفرد بالتصرف فيها ‏دون سائر الدول المشاركة لها ‏في هذا المورد العام أو ذاك. هذا من ‏أمس ما يتعلق بموضوع الإفساد في الأرض، ويجب أن يتكاتف العالم لوقفه قبل أن ‏تنتقل عدواه إلى نظائره من البيئات والظروف المتشابهة. إن الماء بمفهومه الشامل، الذي يبدأ من ‏الجرعة ‏الصغيرة وينتهي بالأنهار والبحار، يأتي في مُقدمة الموارد الضرورية التي ‏تنص ‏شرائع الأديان على وجوبِ أن تكون ملكيتها ملكية جماعية مشتركة، ومنع ‏أن يستبد ‏بها فرد أو أناس، أو دولة دون دولٍ أخرى، فهذا المنع أو الحجر أو ‏التضييق على ‏الآخرين، إنما هو سلب لحق من حقوق الله، وتصرف من ‏المانع فيما لا ‏يملك".


استقبل الجمهور المصري رسالة شيخ الأزهر، الذي يمثل أعلى سلطة دينية في العالم الإسلامي، بترحيب واسع، بينما لم يستطع بعض الجمهور الغربي فهم الأسباب التي دفعت الرمز الإسلامي الكبير للتعليق على الصراع الجيوسياسي الدائر حول بناء أثيوبيا سد النهضة. في الواقع، كان تعليق الأزهر رد فعل على الاستغلال المخزي للخطاب الديني من قبل الحكومة الإثيوبية لتبرير تعريض حياة عشرات الملايين من البشر في دول المصب للخطر، بسبب بناء سد على منبع النيل الأزرق. بمعنى آخر، فإن موقف الأزهر هو محاولة للتصدي لاستغلال بعض السياسيين الفاسدين للدين.


بإعادة النظر فيما يجري، سنجد أنه من الغريب رؤية القادة المسلمين الإثيوبيين، الذين ظلوا دائمًا بعيدًا عن الأنظار، فجأة يشاركون في الأنشطة العامة ويعلقون على القضايا الجيوسياسية. لكن هناك سبب وجيه لذلك. إنهم يردون الجميل لأبي أحمد. على مدى عقود، عانى المواطنون المسلمون في إثيوبيا من التهميش والتمييز والاضطهاد على أيدي الحكومة والجماعات الدينية الأخرى، خاصة خلال الحقبة الشيوعية لمنجستو هايلي مريم. وتعرض المسلمون الإثيوبيون للحرمان من حقهم الأساسي في الإعلان عن هويتهم الدينية أو ممارسة الشعائر والصلوات في الأماكن العامة. هذا على الرغم من نسبتهم الكبيرة نسبيًا كطائفة دينية داخل المجتمع الأثيوبي. حيث يشكل المسلمون في إثيوبيا ما يقرب من ٣٥٪ من السكان؛ والطائفة المسلمة هي ثاني أكبر طائفة دينية في البلاد.


فقط في يناير ٢٠٢٠، اعترفت حكومة أبي أحمد بالمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، بعد ستين عامًا من العمل كمنظمة مجتمع مدني محدودة النشاط وتتعرض لمضايقات مستمرة. وقد أراح ذلك المواطنين المسلمين حيث أصبحوا أحرارًا في إظهار هويتهم والاحتفال بدينهم بشكل علني. هذه خطوة تستحق الثناء على حكومة أبي أحمد لا شك. لكن، على الجانب الآخر لهذا التحرك النبيل، يبدو أن أبي أحمد كان لديه هدف استراتيجي آخر من تقوية المسلمين، وهو استخدامهم في الترويج لمشروعه، مشروع سد النهضة.


إن الاعتراف بالطائفة المسلمة وتمكينها بهذا الشكل، قد دفع المجتمع الإسلامي إلى دعم أبي أحمد بقوة بدلاً من الانضمام إلى المعارضين ضده. إنهم الآن جزء من آلة الدعاية الخاصة به، حيث يحشدون ملايين المواطنين المسلمين لدعم قرارات الحكومة والتصويت للسياسيين المفضلين لدى أبي أحمد في الانتخابات. ثانيًا، يستخدم أبي أحمد الخطاب الديني المُسيَّس لأئمته لإرباك المواطنين في الدول ذات الأغلبية المسلمة، مصر والسودان، فيما يتعلق بشرعية مواقف حكوماتهم من النزاع على نهر النيل. حيث يتم نشر معظم الفتاوى المضللة الصادرة عن أئمة إثيوبيا بشأن سد النهضة باللغة العربية، وليس باللغة الإنجليزية أو السواحيلية أو الأمهرية.


لقد أصبح الصراع على نهر النيل معقدًا للغاية ويكاد يكون من المستحيل حله من خلال الوسائل الدبلوماسية العادية. إن إضافة المكون الديني إلى هذا الخلاف البغيض هو مقامرة خطيرة للغاية يجب على الحكومة الإثيوبية أن تتوقف عن لعبها. لا يهدد هذا أمن إثيوبيا الداخلي فحسب، بل يوفر أيضًا أداة جديدة للمنظمات الإرهابية العاملة في منطقة القرن الأفريقي لإحياء أنشطتها وتجنيد مؤيدين جدد من المخدوعين بهذا الخطاب القومجي المخلوط بنكهة دينية.