Wednesday, November 25, 2015

كيف تعيش في عالم يجتاحه الإرهاب؟

Scared person


لم يعد هناك مكان آمن في هذا العالم، الإرهاب يجتاح أكبر العواصم ولم يعد الشرق الأوسط هو الميدان الوحيد لأفعالهم الآثمة، داعش وصلت أوروبا وقريباً ستضرب أمريكا. والجميع خائف من الجميع، الأوروبيون خائفون من العرب، والعرب خائفون من رد فعل الأوروبيين، والأوروبييون والعرب خائفون من إرهاب داعش، وداعش خائفة من التحالف الدولي ضدها، والدول المنضمة للتحالف خائف من بعضها البعض. وهكذا أصبح الخوف مكون أساسي من مكونات حياتنا اليومية.

وكمصرية من مواليد الثمانينات، فقد أنعم علي القدر بشيء من الخبرة في التعايش مع حالة الرعب المستمر التي يخلفها الإرهاب، فقد عاصرت موجات مختلفة من الإرهاب منذ طفولتي ثم مراهقتي في التسعينات وحتى اليوم، وأريد أن أنقل لكم خبرتي ربما تساعد:

* انتقوا ما تقرأونه من الأخبار، لا تقرأوا كل شيء ولا تتابعوا كل شيء. كونوا انتقائيين جداً لمن تقرأون أو ماذا تشاهدون على التليفزيون، ركزوا على أصحاب الرسائل الإيجابية، من يبشرون ولا ينفرون، من يدركون حجم الخطر لكن ليس من ينقلون إليكم حالة ذعر غير مبرر كلما وقعت حادثة تحت بيتك أو حتى في الهند.

* كونوا على يقين أنه ليس بأيديكم شيء، وأن ما يحدث ليس ذنبكم، وخوفكم لن يحل شيء، وقلقكم المستمر لن يؤدي إلى أي تغيير، الضمان الوحيد لتغيير أي شيء هو العمل على حله، يعني اتخاذ قرارات وخطوات عملية لحله، وليس بالحديث عنه وتحليله والتفكير فيه ثم التفكير فيه ثم التفكير فيه. هناك متخصصون مهتهم عمل ذلك، فدعوهم يعملون، وانشغلوا أنتم بما تعملون.

* ركزوا على دوائركم المقربة جداً من الأهل والأصدقاء، تواصلوا معهم باستمرار وتحدثوا معهم يومياً لو أمكن، في كل شيء، وأنقلوا لهم مشاعر أيجابية، ستعود عليكم بتأثير ممتاز، وتواصلك معهم وتأكدك من أنهم جميعاً بخير سيبعد عنك حالة القلق والذعر تماماً.

* عش كل يوم كأنه أخر يوم في حياتك، استمتع بملذات الحياة دون تأجيل، لكن لا تبذر فيما لا يستحق، أنشر محبتك على الجميع، وابتسم في وجه الجميع في كل مرة تقابلهم وكأنك ستراهم لآخر مرة في حياتك، لا تؤجل شيء للغد، حتى إذا ما جاء الغد تكون مستعد لأن تعيشه كاملاً دون رواسب من الأمس ودون قلق على المستقبل.

* عيش.. حب الناس وعيش، رغم أنف داعش والإرهاب والحرب العالمية الثالثة.

Wednesday, September 30, 2015

تحديات مصر بعد نجاح زيارة نيويورك

السيسي في الجمعية العامة للأمم المتحدة نيويورك


كانت زيارة الرئيس السيسي لنيويورك لحضور قمة الأمم المتحدة هذا الأسبوع من أنجح جولاته الخارجية، حيث استطاع الرئيس أن ينقل للعالم الثقل الإقليمي والدولي الذي بدأت تستعيده مصر بعد عام واحد فقط تحت قيادته، وهو ربما ما دفع الرئيس أوباما إلى أن ينتقل من منصته في اليوم الأخير للقمة ليصافح الرئيس السيسي ويشكره على تصريحاته في الصحف الأمريكية بخصوص العلاقات المصرية الأمريكية وأهميتها وحرصه على الإبقاء عليها. 

انتهت الزيارة، لكن لا يجب أن ينتهي أثرها على مستقبلنا الداخلي والأقليمي، ولدينا خمس لبنات رئيسية وضعت كأساس في هذه الزيارة يمكن لنا البناء عليها عبر كافة الأطراف المعنية من سياسين واقتصادين ودبلوماسين ومجتمع مدني: 

أولها: حقيقة أن العالم أصبح ينظر لمصر كمركز استثمار مهم للمستقبل، ليس فقط على مستوى المشروعات القومية الضخمة مثل قناة السويس ولكن أيضاً على مستوى المشروعات الصغيرة والمتوسطة التجارية أو الخدمية، ولعل الحملة الدعائية الكبيرة التي نشرت في وسائل الإعلام الأمريكية بالتوازي مع زيارة الرئيس تكون حافز لعودة مستثمرين أمريكين كبار خصوصاً في مجال البترول للعمل في مصر بعدما هجروها بسبب التدهور الذي حدث بعد 2011.  

ثانيها: البناء على الشعبية الكبيرة التي أكتسبها الرئيس المصري داخل الأمم المتحدة، والإسراع في تحريك إجراءات ترشيح مصر لمقعد غير دائم في مجلس الأمن، ليس من أجل مصلحة مصر فقط ولكن لما سيكون لوجودنا في مجلس الأمن من دور إيجابي ومؤثر في القرارات التي تحدد مصير الوضع الأقليمي في الشرق الأوسط، بدءاً من مأساة سوريا وانتهاءاً بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي. 

ثالثها: البناء على اتفاق غالبية المشاركين في قمة الأمم المتحدة على ضرورة وضع حد لمأساة السوريين عبر الحل السياسي، إذ يجب أن يعمل كل من بيدهم القدرة على التأثير في الرأي العام العربي والعالمي إما وسائل إعلام أو مثقفين على إيضاح أهمية الحفاظ على الدولة السورية، وأن الخطر الحقيقي لا تشكله الديكتاتوريات، لأن الديكتاتور في النهاية هو رئيس لدولة يمكن التحاور معه أو حتى الضغط عليه لتحقيق مطالب الشعب وتغيير سياسة حكمه، أما الخطر الحقيقي فهو يأتي من عناصر الإرهاب التي تنتعش في ظل الفوضى، ولا يمكن أبداً التحكم فيها أو التعامل معها إلا باستخدام العنف. 

رابعها: التعاون مع المجتمع المدني ورجال الأعمال لتفعيل مبادرة "الأمل والعمل" التي أعلنها الرئيس في خطابه أمام الأمم المتحدة، وتحويلها إلى كيان حقيقي ينطلق من مصر، ويتوجه إلى الشباب في كل العالم العربي. لو نجحت هذه المبادرة في تحقيق أهدافها ستكون على المدى الطويل أكثر تأثيراً من الألة العسكرية التي يعتمد عليها العالم اليوم في محاربة الإرهاب. 

خامسها: توسيع دائرة الحرب على الإرهاب لتشمل تعاون كل دول العالم، فلا يجب أن يترك الغرب مصر واقفة وحدها في هذه الحرب طويلاً، هذه مسئولية أممية، وأول خطواتها أن نستمر في الضغط على أمريكا وحلفاؤها في العالم لإدراج جماعة الإخوان كتنظيم إرهابي دولي بما سيجفف المنابع المادية والمعنوية للإرهاب الذي يستشري في منطقتنا اليوم، وأيضاً مطالبة الدول المتقدمة عسكرياً في العالم بإمداد المقاتلين على الأرض ضد التنظيمات الإرهابية في مصر وليبيا وسوريا بالعتاد اللازم للقضاء عليهم. 

إن التحديات التي تواجه مصر هي نفسها التحديات التي تهدد استقرار العالم، وعلينا أن نستغل زيارة الرئيس الناجحة للأمم المتحدة هذه الأسبوع في حث العالم على الاعتراف بهذه الحقيقة ومن ثم التعاون بشكل عملي على تحقيق الأمن والسلم الدوليين. 


Wednesday, September 16, 2015

المجتمع المدني والطموح السياسي دونت ميكس


الانتخابات البرلمانية 2015

أحتفل العالم هذا الأسبوع باليوم العالمي للديمقراطية، وأختارت الأمم المتحدة أن يكون موضوع هذا العام هو تعزيز دور المجتمع المدني في دعم وبناء الديمقراطية، وهي فرصة لتذكيرنا بأهمية دور المجتمع المدني في المرحلة الصعبة التي تمر بها مصر، فما من دولة استقام حالها واستقرت بدون مجتمع مدني قوي وقف خلف الدولة وساندها في مشروعاتها التنموية، وراقبها ونصحها فيما يخص قرارتها السياسية وأداءها الحكومي. 

وهي أيضاً فرصة لتذكير العاملين بالمجتمع المدني بأهمية عدم إهدار هذا الدور سعياً وراء طموحات سياسية، فقد أزعجني ترشح أسماء كبيرة من المجتمع المدني لخوض الانتخابات البرلمانية ضاربين بعرض الحائط كل تاريخهم الحقوقي والتنموي، فكما أن خلط السياسة بالدين أمر مرفوض لأنه يضر ببناء الديمقراطية، كذلك فإن خلط العمل السياسي بالنشاط المدني أمر يهدد بنسف منظومة الدولة الديمقراطية السليمة. 

صحيح أن هؤلاء السادة، ولهم كل الأحترام، لم يخالفوا نص قانوني بالخلط بين العمل السياسي والنشاط المدني، حيث لا يوجد في مصر قانون يجرم الخلط بين الأمرين على الأفراد، وكل ما لدينا هو نص دستوري وبعض نصوص بالقوانين المنظمة لعمل المجتمع المدني تحظر تدخل المنظمات أو الجمعيات الأهلية أو استغلالها في أي نشاط سياسي. لكنهم بكل تأكيد خالفوا أحد أهم أعراف الممارسة الديمقراطية. 

حيث أن السياسي هو شخص يسعى لنيل سلطة، ويحق له في سبيل ذلك أن يتخذ من معارضة النظام أو الحكومة سلماً لتحقيق هدفه. بينما، الناشط المدني، التنموي أو الحقوقي، فهو شخص مهمته أن يتعاون مع الدولة والحكومة ويكمل عملها ويساعد صناع القرار على اتخاذ القرارات السليمة من خلال مراقبتهم وتقييم أدائهم ثم نصحهم، ولكي ينجح في ذلك يجب أن يكون هذا الناشط المدني محياداً تماماً بلا أي تحيزات أو تحزبات أو طموحات سياسية أو دينية أو اجتماعية قد تؤثر على تعامله مع المواطنين من كل الخلفيات أو تثير الشبهات حول تعامله مع أجهزة الدولة المختلفة لتحقيق أهدافه التنموية أو الحقوقية. 

فكيف إذاً يمكن لنفس الشخص أن يكون سياسي معارض وفي نفس الوقت يتعاون مع الحكومة التي يعارضها ليحقق التنمية التي يبتغيها، أو يكون سياسي صانع قرار وفي نفس الوقت يقوم بتقييم نفسه ونصح نفسه فيما يخص القضايا الحقوقية. 

الخلط هنا سبق وأن دفعت مصر ثمنه باهظاً عندما كانت غالب منظمات المجتمع المدني تخلط بين العمل المدني والعمل السياسي فيما قبل ثورة يناير، ولعبت دور البديل للأحزاب الهشة التي كانت تسيطر على الساحة السياسية آنذاك. 

بما أدى إلى خلط واضح بين توجهات سياسية وأعمال مجتمعية كان يفترض فيها الحيادية الكاملة، لكن للأسف تم توظيفها لخدمة مصالح تيارات سياسية معينة مرة بدعوى مساعدة الفقراء ومشروعات التنمية، ومرة بدعوى الدفاع عن الحقوق والحريات، مما خلق حالة من العداوة بين الدولة والمجتمع المدني زادت من التضييق على المنظمات خصوصاً العاملة في مجال حقوق الإنسان، وبالمقابل زاد من اشتعال الغضب المصبوغ بصبغة معارضة سياسية لدى العاملين في هذه الجمعيات. 

ولم تنفرج حالة التوتر تلك إلا بعد ثورة 30 يونيو، وإعادة تشكيل المنظمات والجمعيات وإعادة رسم علاقتها مع الدولة.

وحتى لا نقع في نفس الخطأ مرة أخرى، فإنني أهيب بكل السادة العاملين بالمجتمع المدني والذين قرروا خوض الانتخابات أن يقدموا استقالتهم من المنظمات التي يعملون بها، ويعلنوا بشكل صريح أنهم انتقلوا للعمل السياسي، أو أن يرجعوا عن خطوة الترشح، ويبقوا في المجتمع المدني ليخدموا مصر من خلاله بخبرتهم الطويلة فيه.   



Wednesday, September 02, 2015

هل نقبل توبة محمد فهمي؟

محمد فهمي صحفي الجزيرة


"لقد أسأت الاختيار بالعمل فى قناة الجزيرة الإنجليزية، ولم أرد استغلال جنسيتى الكندية فى محاكمة خلية الماريوت، وأثق من براءتى فى قضية خلية الماريوت يوم 29 أغسطس". 
هكذا تحدث محمد فهمي، صحفي الجزيرة المتهم في قضية الماريوت في أحد البرامج الفضائية قبل أيام قليلة من الحكم عليه بثلاثة سنوات سجن مشدد. 

أعلن محمد فهمي توبته عن ذنب أقترفه بدافع البحث عن لقمة العيش بشرف عبر ممارسته لمهنته كصحفي، اعتذر مراراً وتكراراً وتعهد بفضح الجزيرة التي استغلته، وكان يتطلع لأن تكون هذه التوبة هي مخرج النجاة بالنسبة له، على الأقل في أعين المصريين أهله الذي لا يريد أن ينظروا إليه على أنه خائن أو إرهابي. وأنا مصدقة محمد فهمي.

أنا مصدقة محمد فهمي، ومصدقة إنه ضحية وتم التلاعب به واستغلاله، ربما أصابه الطمع في لحظة دفعته للعمل مع قناة الجزيرة لأنها تدفع أجور باهظة للصحفيين لم يكن بمقدوره الحصول عليها في أي مكان أخر. لكن هذا الطمع المشروع في كسب أكبر من خلال ممارسة المهنة التي يحترفها لا يجعل منه بأي حال خائن أو إرهابي. 

علاقة محمد فهمي بالجزيرة كانت علاقة عمل وكان دوره مقتصر على كونه صحفي وليس له يد أو تدخل – حسبما أثبت دفاعه – في أي مواد فيلمية تم صناعتها للإساءة لمصر في هذا الوقت وروجتها قناة الجزيرة وغيرها بهدف التحريض. 

أنا مصدقة إن محمد فهمي مخلص تماماً في حبه لمصر، وهو في نظري أخلص بكثير من بعض المحللين والخبراء والنشطاء الذين لهثوا وراء المكافأت الضخمة التي كانت تدفعها الجزيرة لتغريهم بالظهور على قنواتها بعد ثورة 30 يونيو في وقت كانت الجزيرة تهدد الأمن القومي وتتخذ موقف عدائي صريح ضد مصر، رغم عدم حاجتهم لتلك الأموال لأن هذا ليس مصدر عيشهم الرئيسي.

أنا مصدقة إن محمد فهمي ليس إرهابي وليس إخواني ويكره الإخوان ويعمل ضدهم مثل ملايين المصريين بدءاً من مشاركته في ثورة 30 يونيو وانتهاءاً بحربه التي أعلنها واضحة وصريحة ضد قناة الجزيرة وفضحها وفضح قيادات الإخوان الذي سجن معهم لفترة باعتباره إرهابياً مثلهم. 

محمد فهمي ضحية وليس جاني، ضحية ظروف وضحية بعض الذين استغلوا قضيته عالمياً لتشويه مصر، خصوصاً تلك المنظمات التي تدعي أنها تدافع عن حقوق الإنسان وهي في الحقيقة تسيء استغلال حقوق الإنسان كمبدأ لتخفي أهداف سياسية لا تخدم سوى الإرهاب وقوى الشر، لو أن هذه المنظمات حقاً تهتم لأمر محمد فهمي لصممت خير لها ولنا وله، بدلاً من أن تستغل القضية لخدمة أهدافها، فكل مرة تخرج فيها هذه المنظمات علينا ببيان تفقد محمد وزملائه تعاطف كثيرين وتصمه بوصمة عار ليس له يد فيها.  

أخيراً وجب التنبيه على أن كلامي هذا ليس تعليق على حكم قضائي صدر بناءاً على أدلة واستقرت إليه المحكمة بعد أشهر طويلة من التحقيق، ولا أقصد من كلامي أيضاً المطالبة بالعفو الرئاسي عن محمد فهمي لأني أؤيد سيادة القانون المطلقة وأرفض تدخل أي سلطة في قرارات القضاء، لكن كمواطنة مصرية تابعت القضية عن قرب من أول دقيقة وحتى حكم الإدانة، أرفض أن يظهر محمد فهمي كخائن أو إرهابي أو حتى معاون للإرهابيين في أعين الشعب المصري. 

أشياء ما حدثت بالخطأ جعلت محمد فهمي يدفع ثمن ذنب ليس بذنبه، ويجب أن يكون هناك طريقة ما لتقبل اعتذاره واحتوائه.

 كيف أو من يقوم بتصحيح الوضع لا أعرف. لكن حتماً هناك حل!

Wednesday, August 19, 2015

المصريون والإسلام السياسي


Salafism in Egypt political islam

عندما خرج الشعب المصري بعشرات الملايين في 30 يونيو، لم تكن ثورتنا ضد جماعة الإخوان وحدها، ولكن ضد كل أشكال الإسلام السياسي الذي شكل تهديداً صريحاً للهوية المصرية بمحاولاته الفاشلة لتدنيس الإسلام واستغلاله في حشد البسطاء لتحقيق مكاسب سياسية يستطيعون من خلالها نشر الأفكار المتشددة التي يروجونها في فتاويهم ليل نهار؛ بدءاً من تحقير المرأة والتعامل معها على أنها عورة، وتحريم تهنئة الأقباط، وتكفير المختلفين معهم، وإنتهاءاً بإهانة الوطن بشكل صريح برفضهم للوقوف لتحية العلم وتحريم النشيد الوطني، وهو الأمر الذي انتهوا عنه مؤخراً بعد أن كانوا يحرمونه من باب موائمة الظروف واستغلال الفرصة السياسة المتاحة.  

تكونت الأحزاب الدينية التسعة التي نرجو حلها، في مرحلة الفوضى السياسية التي حدثت بعد ثورة 25 يناير مباشرةً، واستغلت فترة وجود جماعة الإخوان الإرهابية في الحكم لتثبت قواعدها، ولهذا لم يكن مستغرباً ما قامت به معظم هذه الأحزاب من حشد لجماعة الإخوان في الانتخابات البرلمانية 2011 والرئاسية 2012، ثم في أوكار رابعة والنهضة في 2013، وكانت مساندتها للإخوان قائمة على أسس دينية بحتة لا علاقة لها بالسياسة ولا بمصلحة الوطن. 

واليوم تريد هذه الأحزاب المشاركة في الانتخابات البرلمانية المرتقبة بطموح الحصول على أكبر عدد من المقاعد لنعيد نفس مأساتنا مع الإخوان ولكن بذقون جديدة هذه المرة.

ولأننا لن ننتظر حتى تتكرر المأساة، فقد أطلقت في مصر منذ أيام حملة شعبية مستقلة بعنوان "لا للأحزاب الدينية" بدعوة من الناشط محمد عطية منسق الحملة، وهي حملة مهمة أدعو كل المصريين للمشاركة بها، وكان لي شرف الالتحاق بها ضمن مئات من الشباب والشخصيات العامة للتعبير عن الرفض الشعبي لاستمرار وجود تسعة أحزاب دينية على الساحة السياسية بما يخالف الدستور، وتدعو المواطنين لتفويض القائمين على الحملة من خلال ملأ استمارة برفع دعاوى قضائية تطالب بحل تلك الأحزاب، وغلق الثغرات في قانون الأحزاب التي مكنتهم من النفاذ إلى سطح العمل السياسي في مصر. 

بعدما دشنا الحملة بساعات، خرج قادة إحدى هذه الأحزاب بتصريحات مستنكرة تصب في نقطتين رئيسييتين، الأولى تدعي أن هدفنا هو المنافسة السياسية معهم، رغم أن القائمين على الحملة كلهم من الشباب المستقل الذي لا ينتمي لأي أحزاب، ولا ننوي نزول الانتخابات البرلمانية، وهذا ينفي تماماً إدعاء المنافسة. 

أما النقطة الثانية، والخادعة، فكان فحواها أن المطالبة بحل الأحزاب الدينية فيه إقصاء لفئة معينة ذات قواعد شعبية وأن هذا يتنافى مع مبادئ الديمقراطية، ويبدو لي أن هذا ما يغل يد ولاة الأمر في مصر من الإطاحة بهذه الأحزاب خارج المشهد السياسي خوفاً من تهمة الإقصاء، لكن هذه كلمة حق يراد بها باطل. 

أولاً؛ القواعد الشعبية التي تتحدث عنها تلك الأحزاب الدينية تم حشدها عبر منابر المساجد واعتماداً على وعود دينية لا علاقة لها بأي فعل سياسي حقيقي، وفي هذا فساد أراه أكبر من الفساد السياسي والمالي المعروف، ومن واجب ولاة الأمر بالدولة المصرية محاربته ووضع حد له. 

ثانياً؛ الديمقراطية لا تساوي الانتخابات، الديمقراطية هي مجموع الممارسات التي تسمح للمواطن بتقرير مصيره بنفسه من خلال إعطائه مجموعة من الاختيارات الصالحة في إطار رؤية الدولة الشاملة لتحقيق التقدم، ومن واجب الدولة التأكد أن الاختيارات المتاح للمواطن الانتخاب من بينها كلها سليمة وصالحة وتتفق مع الرؤية العامة. 

وإلا سنفتح الباب لإساءة استغلال مبدأ الديمقراطية بنفس المنطق الذي يساء به استغلال الإسلام على يد هؤلاء لتحقيق طموحهم السياسي. وأخيراً، مصر أكبر!

Sunday, July 12, 2015

ذكرى رابعة.. يوم انتصرت مصر على الإرهاب


الحملة الشعبية لإدراج الإخوان تنظيم إرهابي دولياً


إنها ذكرى أحداث رابعة والحمد لله أنها مجرد ذكرى. 

لولا فض أوكار الإرهاب في رابعة والنهضة في 2013، ما كان لنا أن نحتفل بإنجاز مثل قناة السويس الجديدة منذ أيام، وربما كانت قوات الناتو تجوب شوارعنا الآن بحجة الحفاظ على الأمن، أو ربما كنا الآن نعيش نفس السيناريو المفزع الذي يعيشه أخوتنا في ليبيا وسوريا. 

في مثل هذا اليوم من عامين، خاضت الشرطة المصرية حرباً حقيقية لتحرير مصر من براثن الإرهاب، حرباً كان أول من استشهد فيها ضابط يحمل ميكروفون ويطالب الإرهابيين بالخروج من مكان الاعتصام حتى لا يصيبهم أذى، فجاءه الرد من داخل هذا الوكر الذي أسموه اعتصاماً، بطلقة رصاص من قاتل محترف أودت بحياته. 

قضت الشرطة المصرية على محاولة تحويل مصر إلى نفس السيناريو الذي دمر سوريا وليبيا، ودفعت في تحقيقه جماعة الإخوان الإرهابية كل ما لديها من مال ورجال وعتاد، صورت الجماعة الإرهابية نفسها للغلابة على أنهم مسلمون ويدافعون عن الإسلام، والتقم العالم الطعم الذي روجته وسائل الإعلام الأمريكية والأوروبية وصدقوا أنهم سلميين وأن الاعتصام حق إنساني، في حين كانوا يحولون الاعتصام تدريجياً إلى أوكار يخبأون فيها السلاح ويحرضون فيها على العنف، ويقودون من داخلها أعمال إرهاب وتعذيب وقتل.

صورت جماعة الإخوان الإرهابية المشهد على أنه حرب بين شعب ودولة، في محاولة لإضفاء شرعية على تجمعاتهم الآثمة، وعندما لم تنجح خطتهم، بسبب محاولات الدولة المتكررة التفاوض مع قياداتهم، والتي بآت جميعها بالفشل بسبب تعنت الإخوان وأنانيتهم، حولوا الصورة لتكون حرب بين شعبين، وكأن الشعب المصري الذي خرج بعشرات الملايين في 30 يونيو للمطالبة بإسقاط مرسي قد انقسم على نفسه وأصبحنا مهددين بحرب أهلية. 

كانوا يتحدثون عن سيناريو الحرب الأهلية كأنه واقع رغم استحالته في دولة كمصر تتمتع بتوحد النسيج الثقافي فيها منذ عهد مينا موحد القطرين، وقد خابت مساعيهم. 

خاضت الشرطة المصرية هذه الحرب بحرفية وشرف لما نرى لهما مثيل في دول أكثر منا استقراراً وحرية، في تعاملهم مع هذا القدر من الإرهاب الصريح. فقد كانت قوات الأمن المسؤولة عن فض الاعتصام حريصة تماماً على التنبيه بإخلاء المكان قبل التدخل لفض أوكارهم الإرهابية، ثم التدرج في استخدام القوة واستهداف الإخلاء والسيطرة على الموقف عوضاً عن استهداف أشخاص أو عناصر بعينها بشكل انتقامي. 

كان من الممكن أن نتجنب خسارة الآلاف من رجال الشرطة البواسل الذين فقدتهم مصر في هذه الحرب، لو أن الشرطة استعملت القوة التي تتناسب مع حجم التسليح داخل هذه الأوكار منذ اللحظة الأولى، لكن رجال الشرطة وبشرف فضلوا أن يموتوا في سبيل الوطن على أن يخالفوا ضميرهم أو يسيئوا استخدام ما بأيديهم من أمانة. 

يشهد الله على كلامي هذا، وهذه الشهادة ليست مجرد كلام أنقله لكم عن تقارير أو تغطيات إعلامية، بل كنت أنا نفسي شاهد على ما حدث في رابعة كجزء من عملي كمراقبة من المجتمع المدني. 

بقي أن لا ننسى أن معركة رابعة لم تكن فقط في ميداني رابعة والنهضة، بل أمتددت لكل ربوع مصر بعد أن قام الإرهابيون بحرق الكنائس وقتل مدنيين بشكل عشوائي والهجوم على أقسام الشرطة، ومشهد تعذيب الضباط في كرداسة. 

كانت فوضى، لكن بفضل تماسكنا شرطة وشعب وجيش تحول الكابوس إلى مجرد ذكرى، سنشفى من أثارها مع مرور الوقت. 

تحية لكل من ضحى بنفسه من أجل بقاء الوطن، ولكل من يضعون حياتهم كل يوم على كفوفهم من أجل مصر. 


Wednesday, July 08, 2015

أسباب في شرح قانون مكافحة الإرهاب


قانون مكافحة الإرهاب مصر

إن الجدل المثار حول قانون مكافحة الإرهاب الذي خرج بعد إلحاح شعبي طال شهور، ونتج عن تأخيره إراقة الكثير من الدماء البريئة وتحقيق مكاسب أكبر لقوى الشر على حساب أمن مصر القومي واستقرارها، يُخبر بأننا ما زلنا نعاني من رواسب نفسية سلبية ورثناها من القمع المقنن الذي كان يمارس في حقب الديكتاتورية ثم الثيوقراطية التي توالت على مصر عبر العقود الماضية، وجعل بعضنا يأخذ موقف هجومي ضد أي تشريع جديد بدعوى أنه أتى لتقييد الحريات لا لفرض الاستقرار. 

حدث ذلك الرفض الأعمى مع قانون تنظيم التظاهر وقانون الجمعيات الأهلية الذي ما زال تائهاً في حالة جدلية غير مفهومة، ويتكرر الآن مع قانون مكافحة الإرهاب؛ رغم أن أي من هذه القوانين لم يأتي لتقييد الحريات، ولكن فقط لوضع قواعد تنظم كيفية العمل بهذه الحقوق بما لا يضر بالأمن القومي لمصر ويراعي تنوع المواطنين ومواقفهم. وهذه القوانين ليست بدعة مصرية، بل هي قوانين لها ما يماثلها وربما يزيد عنها شدة وحسم، ليس فقط في دول طاعنة في الديمقراطية مثل أمريكا وغالبية الدول الأوروبية، ولكن أيضاً في المواثيق الدولية التي استغرق المشرعون سنوات لضبطها.

وأهم ما ينفي عن قانون مكافحة الإرهاب شبهة استخدامه كأداة لممارسة القمع أن التعديلات الأخيرة قد وضعت تعريفات دقيقة للعمل الإرهابي ومرتكبه والمحرض عليه والمروج له، على عكس ما كان في قانون الطوارئ مثلاً وعباراته المطاطة والذي كان إلغاؤه من أهم مطالب ثورتنا في ٢٥ يناير. تحديد التعريفات بهذه الدقة يحقق المعادلة الصعبة لعدم المساس بالحقوق والحريات الأساسية للمواطن العادي بينما تسمح باكتشاف العمل الإرهابي حتى قبل وقوعه والتعامل معه. 

وعلى عكس موقف نقابة الصحفيين، لم أرى في المادة ٣٣ أي شيء يمس بحرية الرأي والتعبير أو حرية نقل وتداول المعلومات، لأن نص المادة الواضج جداً يغنيني عن القول بأن المقصود ليس الصحفي النقابي المحترف الذي يتحرى المصادر الدقيقة لملعوماته، ويتجنب إساءة استخدام قلمه في أعمال تضر بأمن البلاد والعباد، وهي أمور لو أخل بها أي صحفي يجب على نقابة الصحفيين أن تكون أول من يعاقبه. 

ولكن المقصود من هذه المادة هو المواقع والصحف والقنوات التي انتشرت الفترة الأخيرة على أنها منابر إعلامية بينما هي منابر للإرهاب، تستخدم للتحريض والترويج وبلبلة الرأي العام، وافتعال حالات غضب وهمية تربك وتدمر أكثر من الأسلحة والقنابل التقليدية. وما أكثرهم!

ولنتذكر هنا كيف تعاملت ألمانيا، بجلالة قدرها، مع الإعلامي الإخواني أحمد منصور، قبل ثلاثة أسابيع، لمجرد أنه استضاف قيادات من جماعة إرهابية في برنامجه، مجرد استضافتهم وضعته في السجن تحت تحقيقات مشددة لأيام، وكان مهدداً بتوجيه تهم أكبر له، لولا تدخلت جنسيته الأنجليزية وأنقذته! 

وأخيراً، لو أن في القانون عيب يحتاج المراجعة فهو يتعلق بطول إجراءات الضبط والتقاضي، التي كانت السبب الأساسي في كل التراخي الذي حدث الفترة الفائتة، وكذلك الإصرار على معاملة الإرهابي على أنه مجرم. 

المجرم شخص يفترض فيه الصلاح أرتكب خطأ نتج عنه ضرر في حق المجتمع، ولهذا لا حرج في أن يتمتع بحقوق المثول أمام قاضيه الطبيعي والاعتراض على الحبس الاحتياطي واستئناف الحكم الصادر ضده ثم الطعن عليه، لكن الإرهابي أو حتى المشتبه به في عمل إرهابي يجب أن تكون عقوبته مباشرة وحاسمة ورادعة، ولا يجوز له التمتع بأي من هذه الحقوق التي تمنح للمجرم. 

القانون الدولي نفسه يفرق بين الأثنين في المحاكمة والعقوبة.

Wednesday, July 01, 2015

تفاءلوا رغم الألم

ثورة 30 يونيو مصر


رغم أنف الإرهاب، كل عام ومصر أم الدنيا وقد الدنيا. إنها الذكرى الثانية لتحرير مصر من براثن جماعة الإخوان الإرهابية، الذين سرقوا حلم ثورتنا في غفلة يبدو أن القدر لن يكف عن معاقبتنا عليها أبداً، لكن عزاؤنا أننا لم نستسلم وجعلنا من الثورة ثورتين، رغم علمنا بأن الثورة الجديدة سيكون ثمنها الدم، وأننا دخلنا حرب لن تخمد نارها بين يوم وليلة، واخترنا - شعباً وجيشاً - أن نكمل للنهاية، ونجحنا فيما ظن العالم أنه من المستحيلات. 

تفاءلوا رغم الألم، لأن المعركة الدائرة بيننا وبين الجماعة الإرهابية منذ عامين، ما هي إلا مرحلة ستمر كقبض الريح في عمر مصر، نعم هي مرحلة مؤلمة، لكن الزهرة الجميلة كي تثمر لابد وأن تنغرس في الطين أولاً، ولأن المأساة التي نعيشها اليوم لا تساوي واحد على مليون مما كانت مصر مقبلة عليه باستمرار الجماعة الإرهابية في الحكم، إما على مستوى الأمن الداخلي أو العربي أو حتى على مستوى الأمن والسلم في العالم.

تفاءلوا رغم الألم، لأن لدينا جيش من خير أجناد الأرض ما زال صامداً في وجه عدوان الإخوان وأنصارهم من الجماعات الإرهابية ذات المسميات المختلفة والهدف الواحد على حدودنا الشرقية والغربية والجنوبية، رغم تخلي العالم عن مساندتنا، ورغم مساندة بعض الدول لإرهابهم للنيل من مصر. 

تفاءلوا رغم الألم، لأن في مصر جهاز شرطة مدنية هم أيضاً خيرة الرجال، تصدوا لمحاولات الإرهاب زعزعة الاستقرار في الداخل وتعطيل الاقتصاد وشل حياتنا، ولولاهم ما شعرنا ببعض الأمان الذي نشعر به الأن، ولأنهم رغم ما يلاقونه من ويلات أدناها عدم التقدير وأعلاها القتل والتعذيب، استطاعوا على مدار عامين تصفية عشرات البؤر الإرهابية، وأضطروهم غير أسفين لإشهار وجههم القبيح وإيديهم الملوثة بالدماء أمام العالم. 

تفاءلوا رغم الألم، لأنه ما زال لدينا رفاهية المطالبة بمزيد من الحقوق والحريات في ظل دولة تعلي سيادة القانون فوق جميع السلطات، ولم تستغل الظروف التي تمر بها مصر لارتكاب ممارسات قمعية أو فرض إجراءات غير عادلة، حتى لو كانت المسألة تتعلق بتعاملهم مع قوى الشر والإرهاب، ورغم قدرتهم على الانتقام بشكل مباشر. هزتني كلمة الرئيس السيسي في إفطار الأسرة المصرية منذ أيام قليلة عن ضرورة التوحد واستعداده لتقبل كل من يريد أن يعيش بيننا في سلام مهما أختلفنا معه في الرأي والموقف، فجاء الرد مباشرةً من جماعة الدم باغتيال محامي الشعب، المستشار هشام بركات.

تفاءلوا رغم الألم، لأن في مصر قيادة سياسية واعية تفهم ضرورة أن تعمل بيدين، يد تبني ويد تحارب، وأننا بعد شهر وبرغم كل التحديات، سنشهد إطلاق واحد من أكبر المشروعات القومية في تاريخنا، محور قناة السويس الجديد، الذي تم إنجازه في عام واحد فقط - وهو أمر لو تعلمون عظيم - وما سيتبعه من أنشطة استثمارية ضخمة ستأتي بخير كثير على المصريين.  

تفاءلوا رغم الألم، لو أن هذه الجماعة الإرهابية قتلت ألاف المصريين على مدار عامين، فأعلموا أن هذا أهون بكثير من أن كانت مصر بالكامل ستمحى من على الخريطة وتتحول إلى مجرد ولاية داخل الدولة الإسلامية التي أخترعوها، تماماً مثلما حدث مع دولتين كان اسميهما العراق وسوريا. 

تفاءلوا رغم الألم، لأن "ربنا موجود" ومصر مباركة في كل كتبه، ولأن البد التي لم تنهزم أبداً على طول تاريخها، لن يهزمها حفنة من تجار الدين والدم.   


Wednesday, June 24, 2015

كابوس الإخوان قبل الأخير

الإخوان المسلمين مظاهرات


تعيش جماعة الإخوان المسلمين كابوس مفزع هذه الأيام، أحد مشاهده يتمثل في تخلي قوى العالم عن دعم الجماعة والاعتراف العالمي الغير معلن بأن الإخوان تمارس العنف وتدعم الإرهاب، على عكس الصورة السابقة التي كان يسوق بها الإخوان لنفسهم على أنهم التيار الإسلامي الأكثر اعتدالاً وسلمية بين كل تيارات الإسلام السياسي الأخرى. 

أي أن خدعتهم الكبرى قد تكشفت، وتجلى ذلك في واقعتين هذا الشهر: واقعة توقيف مذيع الجزيرة الإخواني أحمد منصور في ألمانيا على خلفية لقاء إعلامي مع زعماء جبهة النصرة، وواقعة إعلان الخارجية الأمريكية رفضها لقاء قيادات الإخوان في واشنطن. 

أضف إلى ذلك كم الانقسامات الشديدة التي تحدث الآن بداخل التنظيم الدولي للجماعة على مستوى القيادة، وإنفلات الوثاق بين القيادات والقواعد داخل مصر وخارجها، وتخلي أنصار الجماعة عنها، إما هؤلاء الذين انضموا لتحالفاتهم الإسلامية أو الذين ناصروهم في مظلوميتهم الكاذبة من باب حماية الحقوق.

لكن لا يعني ذلك أن جماعة الإخوان انتهت أو في طريقها للنهاية، فهي كالثعبان، مهما تقطع جسده سيبقى حياً، ولا سبيل للقضاء عليها سوىالضرب على الرأس حيث مكمن الشرور، وعلى مصر كدولة ومجتمع مدني وإعلام، تحقيق تلك الضربة بأسرع وقت ممكن من خلال:  

أولاً: تكثيف الأنشطة الغير رسمية في الضغط على الحكومة الأمريكية والإتحاد الأوربي لإدراج الإخوان ضمن التنظيمات الإرهابية لديها، وهو هدف نسعى إليه منذ سنتين من خلال "الحملة الشعبية لإدراج الإخوان كتنظيم إرهابي دولياً" ولدينا من الوثائق ما يثبت تورط الإخوان في أعمال تضر بالأمن القومي ليس فقط في مصر، ولكن في أمريكا وأوروبا أيضاً. والآن هو الوقت الأمثل لينضم كل المهتمين تحت راية هذه الحملة واستغلال ما حققته من نجاح حتى الآن. 

ثانياً: إسقاط الإسلام السياسي من المعادلة المصرية تماماً وذلك باتخاذ خطوات ملموسة تجاه مسألة تطوير الخطاب الديني التي دعى لها الرئيس مراراً، وعدم اللجوء لبدائل الإخوان في السياسة، لأن المساحة التي أتيجت للإسلام السياسي في حقب سابقة تضاءلت بشدة مؤخراً بسبب تصاعد عنف الإخوان وأنصارهم من السلفيين والجهاديين، بما جعل من الأولى شطب هذه المساحة من الحياة السياسة المصرية أصلاً. 

ثالثاً: الاستمرار في تحقيق تقدم سياسي وليس اقتصادي فقط، رغم تفهمي لحاجة مصر الملحة لنهضة اقتصادية تعوض كل ما خسرناه السنوات الماضية، لكن العالم لا يهتم كثيراً بالنمو الاقتصادي الداخلي قدر ما يهتم بتطور البلاد السياسي وإلى أي مدى مصر أصبحت قريبة أو بعيدة من تحقيق الديمقراطية. ومن ذلك، أستكمال خارطة الطريق، مع ضرورة تقوية دور الأحزاب وخلق مناخ يسمح بالتنافس الشريف فيما بينها، على عكس الصورة المهتزة التي نعيشها حالياً.

رابعاً: الاستمرار في تطوير قواتنا المسلحة وأفرادها لأداء أدوار القوات المسلحة التقليدية المرتبطة بالحروب والأنشطة العسكرية أو الأدوار الغير تقليدية المرتبطة بالأنشطة الاجتماعية والاقتصادية، لأن قواتنا المسلحة ما زالت هي الورقة الرابحة في علاقاتنا مع العالم، خصوصاً أمريكا، وهي مصدر الاهتمام الحقيقي بمصر كدولة قائمة ذات جيش حقيقي، ليس له مثيل في كل المنطقة العربية. 

إن القضاء تماماً على سموم الجماعة الإرهابية ليس مهمة سهلة، وستأخذ وقت. لكن العبرة في المثابرة ومواصلة الكفاح حتى النهاية لأن مصر، وربما العالم بأسره، لن ينصلح حاله ويعتدل ميزانه قبل أن تتحول جماعة الإخوان المسلمين من واقع مُر إلى صفحة سوداء في كتب التاريخ. 

Wednesday, June 17, 2015

في مسألة الفريق شفيق

الفريق أحمد شفيق


إن الفريق أحمد شفيق لم يعد للظهور على الساحة السياسية المصرية لأنه لم يختفي عنها أصلاً، كل الحكاية أن بعض الإعلاميين عادوا للاهتمام بأخباره التي تجاهلوها طيلة أشهر، بعدما نشرت الصحف أخبار عن تحركات حزب الحركة الوطنية لتشجيع المسؤولين في مصر على اتخاذ إجراءات بشأن تأمين عودة شفيق ورفع أسمه من قوائم الممنوعين من السفر بسبب قضية لا يفهم أحد سر تعليقها حتى اليوم. 

استغل هؤلاء الفرصة وأتوا بالفريق شفيق تحت مقصلتهم وأعطوا لأنفسهم الحق في إجراء تحقيقات معه على الهواء لم يقم بها النائب العام نفسه حتى الآن، ومن ثم تلقف المتلقفون على السوشيال ميديا تصريحات الرجل التي لم تخالف الحقيقة في شيء، وحرفوها ليبدو وكأنه يهاجم الرئيس السيسي أو يقدم نفسه كبديل عنه، وهو أمر مستحيل أن يخطر ببال عاقل، ليس فقط لأن الفريق شفيق لن يقبل على تلك الخطوة لما فيها من خطر كبير على استقرار البلد، ولكن أيضاً لأن الشعب المصري الذي أحب الفريق شفيق وأيده في مواجهة الإخوان في 2012 هو نفسه الذي أختار المشير السيسي في 2014 ومازال يؤمن به ويدعمه، ويرى أن كليهما عضدين لا ضدين.  

كل ما يريده الفريق شفيق – ونحن أيضاً – هو شيء من التقدير الذي يستحقه في بلده. هل نعيب على الرجل إنزعاجه كلما رأي أسمه يشوه على صفحات جرائد وطنه، أو نستكثر عليه شعوره بالمرارة لتجاهله في مشهد 3 يوليو العظيم، في حين سمح لأخرين بتصدر المشهد وقتها ولم يكن لهم أي دور يذكر مقارنة بدور الفريق شفيق وأنصاره في إسقاط فاشية الإخوان. بل على العكس، كان بعضهم مؤيداً أعمى للإخوان قبل وأثناء فترة استيلائهم على مصر لأسباب دينية لا علاقة لها بحب الوطن، وتسبب بعضهم الأخر بمواقفه المائعة بعد 3 يوليو في توريط الوطن في خيبات ما زلنا ندفع ثمنها حتى اليوم ثم فر إلى أوروبا متعمداً رشق جسد الوطن بتغريدات كالشوك المسمم بين الحين والآخر – وحاشى لله أن يفهم كلامي على أنه مقارنة بين الفريق شفيق وهؤلاء. 

هل نعيب على الفريق شفيق إصراره على استكمال التحقيق في انتخابات الرئاسة 2012 التي ما زالت تشكل عثرة في علاقاتنا الخارجية بسبب تصوير الإخوان لها بالديقمراطية وبالتالي تمنح نظام الإخوان شرعية كاذبة وتنفي عن النظام الحالي تلك الشرعية في نظر العالم، على عكس الواقع الذي شهدته بنفسي كمدير لفريق مكون من سبعة ألاف متابع وسبعة وأربعين منظمة مجتمع مدني وقتها، قام بتوثيق ما بهذه الانتخابات من تزوير فج ينفي عنها صفتي الحرية والنزاهة، فضلاً عن شبهة التلاعب بالنتائج الجاري التحقيق فيها حالياً.

إن الفريق شفيق - من وجهة نظري – ليس طامعاً في منصب أو راغباً في سلطة، هو رجل أحب مصر لدرجة أن فراقه عنها يؤلمه، ولا يريد سوى أن يعود لأحضان وطنه ويعيش فيه معززاً مكرماً، بالشكل الذي يليق بتاريخه كعسكري شريف، وكوزير ناجح نضرب بإنجازاته المثل، ثم كرئيس وزراء يوم هرب الجميع من تحمل المسئولية، وأيضاً كمرشح رئاسي في معركة ضارية ضد تنظيم إرهابي بدافع إنقاذ الوطن.

ولأنه ليس في مصلحة أحد استمرار هذا الحال، نتمنى أن يتوقف الإعلام عن تناول الموضوع بطريقة درامية تعقد الأمور ولا تحلها، وأن يعجل القضاء بالبت في القضايا المعلقة، وكلي ثقة في حكمة القيادة السياسية في مصر لاحتواء الموقف بأسرع وقت، قبل أن يسيء أعداء الوطن استغلاله. 

Tuesday, June 09, 2015

وزارة للمصريين بالخارج.. لماذا؟

مظاهرات تأييد السيسي في نيويورك

أختتم الرئيس السيسي عامه الأول في الحكم بإنجاز عظيم أكمل به الدائرة الحرجة للعلاقات الخارجية الممتدة عبر أفريقيا والشرق الأوسط، ثم أسيا وأمريكا، وانتهاءاً بأوروبا، من خلال إعادة تأسيس علاقات طيبة مع ألمانيا بوصفها أهم دولة في الاتحاد الأوروبي والأكثر تأثيراً من حيث الثقل الاقتصادي والسياسي، بعد سنوات أهتزت فيها العلاقة بسبب ممارسات جماعة الإخوان الإرهابية إما أثناء وجودهم في الحكم أو حتى بعد سقوطهم. 

وربما كان أفضل ما أعلنه الرئيس في زيارته الأخيرة لألمانيا هو عزم الحكومة على إنشاء وزارة للمصريين بالخارج، وهو الأمر الذي لطالما طالبنا به نحن المصريون في الداخل، ليس فقط لرعاية شئون ومصالح إخوتنا الذين يعملون أو حتى يقيمون في دول أخرى، والذين لم يمنعهم الانفصال المكاني عن الوطن عن إعلان حبهم وتأييدهم له بشكل عملي ومشرف في كل مناسبة ممكنة، ولكن أيضاً للأستفادة من وجودهم وقدرتهم على التأثير كسفراء غير رسميين عن الشعب المصري في هذه الدول، في إطار الدبلوماسية الشعبية التي ازدادت الحاجة لها في السنتين الآخيرتين لمواجهة الآلة الترويجية الكاذبة لجماعة الإخوان الإرهابية ضد مصر.

فبالرغم من المجهود الجبار المبذول في إطار الدبلوماسية الشعبية من جانب قوى المجتمع المدني ورجال الأعمال والسياسيين المستقلين، خلال الفترة الماضية، سواء من مصريين في الداخل أو الخارج، ما زالت هذه المجهودات تفتقر إلى المايسترو الذي يقوم بتنسيقها وإدارتها لتتحرك معاً كقوة مؤثرة موحدة الأتجاه، كما أن مشاركة المقيمين في الخارج في تلك المجهودات كانت تقتصر – في معظمها – على الجيل الأول، ونادراً ما كان يشارك فيها أبناء الجيل الثاني الذين ولدوا في هذه البلاد ويستطيعون أن يؤثروا بقوة على الرأي العام هناك بشأن مصر من خلال تعاملاتهم اليومية العادية. وهو ما نظن أن الوزارة الجديدة تستطيع تنظيمة بشكل احترافي، وبما يخفف أيضاً العبء عن وزارة الخارجية المصرية لتركز فقط على تطوير القنوات الدبلوماسية الرسمية. 

وهنا يأتي السؤال الأصعب عن ماهية الشخص المناسب لتولي قيادة وزارة بهذه الأهمية في تلك المرحلة الحرجة التي تمر بها مصر، حيث يجب أن يكون شخص له خبرة بالعمل الدبلوماسي على المستويين الرسمي والشعبي، وله تأثير وسمعة حسنة دولياً تمكنه من التواصل وكسب ثقة الجاليات المصرية خصوصاً في الدول المهمة بالنسبة لمصر.

وفي رأيي المتواضع فإن أفضل من يمكنه أن يتولى هذا المنصب وتتوفر فيه تلك الصفات وأكثر هو السفير محمد العرابي وزير الخارجية السابق، فقد كان لي شرف التعامل معه كرئيس لوفد الدبلوماسية الشعبية الذي انضممت له قبيل زيارة الرئيس السيسي إلى ألمانيا، وقبلها في فاعليات الوفد الحقوقي الذي رافق الوفد الرسمي في المراجعة الدورية الشاملة لملف مصر في حقوق الإنسان في جنيف، وشهدت بنفسي حجم التأثير الذي يحظى به على مستوى دوائر صناعة القرار هناك أو حتى على المستوى الشعبي، فبالرغم من أنه ترك منصبه الرسمي طوعاً منذ بضعة سنوات، إلا أنه لم يتوقف عن ممارسة عمله واستغلال علاقاته الخارجية الواسعة لصالح مصر خصوصاً في أوروبا، نقطة قوته الأكبر. 

أما عن التوقيت المناسب لبدء الوزارة الجديدة عملها، فيجب أن يتم قبل بدء أعمال البرلمان الجديد الذي تم تخصيص بعض مقاعده للمصريين بالخارج، بحيث يمكن التنسيق معهم والاستفادة من وجودهم في كيان مؤثر في عملية صناعة القرار كالبرلمان، إما فيما يتعلق بالتشريعات الداخلية ونقل الخبرة أو فيما يتعلق بأنشطة تمثيل مصر دولياً كبرلمانيين. 

Wednesday, May 27, 2015

ماذا ينتظر الرئيس السيسي في ألمانيا؟

ميركل والسيسي في ألمانيا

أكتب لكم من برلين، حيث أشارك منذ أسبوع مع وفد من الدبلوماسية الشعبية برئاسة الوزير محمد عرابي يضم قامات حقوقية وسياسية ودبلوماسية ودينية ذات احترام وتأثير، بهدف لقاء ممثلين عن مؤسسات حكومية وغير حكومية وبرلمانيين ورجال أعمال وإعلاميين وسياسيين، من أجل استطلاع الموقف في ألمانيا على المستوى الشعبي والحكومي وتوصيل رسائل عن حقيقة الأوضاع ومستقبل الديمقراطية في مصر بعيداً عن المراسم البروتوكولية التي ستهيمن على الوفد الرسمي الذي سيرافق الرئيس السيسي في زيارته المقررة بعد أيام إلى ألمانيا، بدعوى من المستشارة ميركيل، تكررت مرتين بسبب تصريحات غير مسؤولة من رئيس البرلمان – الذي يصفه الغالبية هنا بأنه غاوي شهرة. 

حيث أفتقرت تصريحاته بشأن حقوق الإنسان في مصر إلى المنطق، وكانت مبنية بالكامل على أكاذيب تصوغها جماعة الإخوان المسلمين في الإعلام الأوروبي منذ فترة، دون بذل أدنى مجهود من جانبه أو من الفريق العامل معه للبحث في حقائق الأمور والتدقيق في صحة المعلومات. 

إن زيارة الرئيس السيسي لألمانيا للمرة الأولى منذ توليه الحكم، تعادل في أهميتها زيارة الرئيس الأولى للولايات المتحدة الأمريكية في أواخر العام الماضي، لما لألمانيا من أهمية وثقل كبيرين في المحيط الأوروبي إما على المستوى الاقتصادي أو السياسي، ولعلها حقيقة معروفة في العلاقات الدولية أن من يكسب ألمانيا في صفه، يكسب أوروبا كلها. 

وكان أكثر ما أسعدنا في محادثاتنا مع المسؤولين، أن لمسنا اختلاف إيجابي واضح في موقف ألمانيا من مصر وتفهم كبير للظروف الاستثنائية التي نمر بها خصوصاً مسألة بناء الدولة في مقابل الحرب على الإرهاب، حيث بدأت العلاقة بين البلدين تأخذ شكل علاقة الصديق والشريك وليس الملقن والمتلقي، خصوصاً بعد اللقاء الذي جمع الرئيس السيسي والمستشارة ميركل على هامش مؤتمر دافوس الاقتصادي مطلع هذا العام وأيضا المؤتمر الاقتصادي في شرم الشيخ. 

لقد أصبح لدى ألمانيا تفهم واضح أن مصر هي الحصان الرابح في مسألتين رئيسيتين هما الاقتصاد والأمن، فقد بلغ حجم التبادل التجاري بين مصر وألمانيا 4,4 مليار يورو العام الماضي وهو الأعلى في تاريخ العلاقة بين البلدين، فضلاً عن صفقة الكهرباء الأخيرة مع شركة سيمنز التي تصل إلى 12 مليار يورو. 

بالإضافة لحقيقة أن مصر هي الدولة الوحيدة – ربما في العالم كله – التي قالت أنها ستحارب الإرهاب والتزمت بذلك، حتى أننا أصبحنا حائط الصد الأول في مواجهة الإرهاب ليس فقط بالنيابة عن باقي دول منطقة الشرق الأوسط ولكن أيضاً بالنيابة عن دول أوروبية أهمها ألمانيا التي تعاني الآن من المد السلفي الجهادي داخل أراضيها، وظهور شرطة الشريعة في شوارعها، ونزوح شبابها بالمئات للتجنيد في التنظيم الإرهابي الأخطر داعش.

ولهذا نتوقع أن تكون زيارة الرئيس السيسي لألمانيا ناجحة جداً، وستكون بمثابة فتح صفحة جديدة لشكل العلاقات ليس فقط بين ألمانيا ومصر، ولكن بين أوروبا كلها ومصر، رغم كل محاولات الإخوان لافتعال حالة رفض وهمية إما في وسائل الإعلام التي يسيطرون عليها أو من خلال مظاهرات حسب ما علمنا يحشدون لها بشراء متظاهرين من الجاليات السورية والتركية ليعطوا وهم بأنهم ذات عدد وتأثير على خلاف الواقع. 


Wednesday, May 20, 2015

موجات الغضب الافتراضي


Protesting on social media Egypt

لم تكن وسائل التواصل الاجتماعي أو السوشيال ميديا ونجومها ممن لديهم عدد كبير من المتابعين، هي صانع ثورة 25 يناير كما يحلو لوسائل الإعلام في الغرب إشاعته، ولم تكن كذلك هي السبب في نجاح ثورة 30 يونيو، كما يدعي البعض. بل كانتا الثورتين من صنع الشعب، وبدون السوشيال ميديا أو بها كانتا سيحدثا بنفس الحشد ونفس التأثير.

كل ما ساهمت به السوشيال ميديا في هذين الحدثين التاريخين هي أنها عجلت من تأجيج حالة الغضب بافتعال أحداث صغيرة قد لا يلقي المواطن لها بالاً في الظروف العادية، بقصد خلق موجات من السخط الافتراضي، ثم تسمح لها بالتراكم السريع حتى تتحول إلى حالة رفض عام لكل شيء، لدرجة يصبح معها الهدم مقارنة بالإصلاح هو الحل الأهون، وفي الهدم لا يفرق المعول أحياناً بين هدم نظام أو هدم وطن بأكمله. 

وهذا ما حدث قبيل الثورتين، ومن حسن - أو ربما سوء - الحظ أن توافق ذلك الجهد الافتراضي مع غباء سياسي وأحداث اجتماعية أدت إلى نقل السخط الافتراضي عبر وسائل الإعلام التقليدية إلى غضب شعبي، وأبرز مثالين هما حادث خالد سعيد وتزوير الانتخابات البرلمانية قبل سقوط نظام مبارك مباشرةً، وأزمة البنزين وأحداث العنف في الاتحادية قبل سقوط نظام الإخوان. 

ويبدو أن ما يحدث على السوشيال ميديا  المصرية هذه الأيام، خصوصاً الفيسبوك وتويتر الذين يستخدمهما أغلب المصريين، يعيد إلى الأذهان نفس المشاهد التي سبقت الثورتين، من حيث تصيد التصريحات لكبار المسؤولين واقتطاعها من سياقها ثم تضخيمها بما لا يليق وحجم المناسبة التي قيلت فيها، والتهكم على قرارات الحكومة وأدائها، ثم المطالبة بعزل الوزير الفلاني والمسؤول العلاني، وكأنه هو بشخصه هو المشكلة وليس أداء الوزارة بكل أجهزتها بالكامل، ومن ثم التصعيد للمطالبة بعزل رئيس الوزراء ثم رئيس الجمهورية نفسه، وكذلك تضخيم مشكلات اقتصادية نعاني منها منذ الأزل وإلصاقها بالحكومة الحالية التي لم تكمل عامها الأول حتى، وتضخيمها كأنها مشكلة المشاكل مثلما حدث مع موضوع "البامية" متجاهلين الحديث عن أي إصلاحات أو إيجابيات قامت بها الحكومة الحالية رغم عمرها القصير جداً. 

وبالتوازي مع ذلك، يخرج علينا البعض بأخبار مغلوطة تبدأ بجملة "منظمات دولية تصدر تقرير" ويتبعها بكلمات مثل "التعذيب في مصر" و"الإنهيار الاقتصادي" في مصر و"الفشل الحكومي" وهكذا، ليمنح أكذوبته نوعاً من المصداقية، وإن كانت بعض هذه المنظمات الدولية التي نشك بقوة بأنها مدفوعة سياسياً تقوم بإصدار تقارير بهذا المعنى بالفعل، لكن أغلب هذه الأخبار لا يذكر حتى اسم المنظمة الدولية التي يشيرون إليها على أنها صاحبة التقرير معتمدين على أن المواطن العادي لن يبحث أو يهتم. 

والطريف أن بعض وسائل الإعلام التقليدية تقوم أحياناً بالنقل الأعمى عن هذه المواقع رغم علمها بالتخاريف التي تحملها، وبذلك تساهم بدون قصد في تأجيج الحالة السلبية المرغوب إحداثها قبل أسابيع معدودة من الذكرى الثانية لسقوط الإخوان والذكرى الأولى لتولي الرئيس السيسي الحكم. 

ولكن هذه المرة لا أظن أبداً أن تؤدي موجات السخط الأفتراضي التي تحاول أيادي ملوثة خلقها عبر وسائل التواصل الاجتماعي هذه الإيام إلى أي نتيجة حقيقية مؤثرة على أرض الواقع، لأن المواطن المصري الذي أسقط نظامين في أقل من ثلاثة أعوام والذي يستطيع إسقاط النظام الثالث لو أراد، قد فطن إلى اللعبة وحفظها، ويعي تماماً أنه شريك في المسؤولية مع الرئيس والحكومة في بناء الوطن بالجهد والعمل، لا بتعليقات ومنشورات في عالم افتراضي لا علاقة له بالواقع.


Wednesday, May 06, 2015

وما الرئيس السيسي إلا بشر مثلكم


الرئيس السيسي 2015 عيد العمال


شاءت الأقدار أن أسافر إلى بعض دول وسط وجنوب أوروبا على مدار الأسبوعين الماضيين، مما أتاح لي فرصة ذهبية للقاء بعض المؤثرين في صناعة القرار الأوروبي من سياسيين ودبلوماسيين وأعضاء برلمان ورجال أعمال وقيادات في المجتمع المدني، كانوا متلهفين لمعرفة حقيقة تطور الأوضاع السياسية في مصر مع أقتراب الذكرى الأولى لتولي الرئيس السيسي لحكم مصر ومع اقتراب أيضاً الذكرى العزيزة لثورة 30 يونيو. 

وقد لاحظت، للمرة الأولى في السنتين الأخيرتين، تغير إيجابي واضح في الموقف الأوروبي بوجه عام تجاه مصر، من موقف انتقاد وعدم رضا إلى موقف إعجاب وإشادة؛ بدءاً بالتزام مصر بتنفيذ خارطة الطريق التي وضعها بيان 3 يوليو الشهير، وحقيقة عدم إنهيار مصر في مواجهة الحرب على الإرهاب حتى اليوم، وإصرارها على مواصلة مسيرتها، ولو ببطء، تجاه بناء الدولة رغم كل التحديات الأقليمية، والعوائق الاقتصادية. 

حيث أصبح ما يشغل بال صانع القرار الأوروبي الآن هو كيف يمكنهم مواكبة ما يجري في مصر من أحداث، وأختفت من حواراتنا معهم أسئلة من نوعية "لماذا تقمع الحكومة المعارضة متمثلة في جماعة الإخوان المسلمين؟" مصداقاً للأكاذيب التي تروجها جماعة الإخوان الإرهابية ليل نهار في جميع أرجاء العالم والتي أخذت في الخفوت بشكل واضح مؤخراً، ليحل محلها أسئلة من نوعية "كيف نستطيع أن نساعد مصر سياسياً؟" أو "كيف نستفيد من الإمكانات الاقتصادية التي تعد بها مصر في المستقبل القريب؟" بما يبشر بأن جهود الدبلوماسية الشعبية إلى جانب الجهود الرسمية لتوضيح حقيقة الصورة في مصر للعالم قد أتت بثمارها أخيراً. 

إن الأوروبيين، على عكس الأمريكيين، لم يكن لديهم مشكلة في استيعاب وتقبل فكرة تولي قائد ذو خلفية عسكرية مثل الرئيس السيسي لمنصب رئيس الجمهورية، فقد حدث ذلك في دول أوروبية عدة على مدار التاريخ، وكانوا منذ اللحظة الأولى متفهمين لأن هذه الخلفية العسكرية لن تجعل من الرئيس السيسي بالضرورة "ديكتاتور" كما يروج الإخوان ومن ورائهم أمريكا، بل كان وما زال ما يشغل الأوروبيين هو مدى التزام الرئيس المصري بأمرين: تحسين حقوق الإنسان، ومحاربة الفساد. وهذين أمرين نجحت القيادة السياسية في مصر في تحقيقهم بدرجة كبيرة جداً حتى الآن رغم كل التحديات. 

حيث لم تمنع الحرب على الإرهاب مصر من تحقيق تقدم معقول على مستوى الحقوق والحريات، أهمها الدستور المصري الحالي الذي التزم بكافة المواثيق الدولية في هذا المجال، فضلاً على الالتزام الواضح من جانب مصر وتعاونها الغير مسبوق مع مجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة في المراجعة الدورية الشاملة لملف حقوق الإنسان في مصر، بالإضافة إلى إتاحة مساحة أكبر لعمل المجتمع المدني كركن أساسي من أركان الدولة الديمقراطية الحرة. 

وعلى مستوى محاربة الفساد، يكفي أن الرئيس السيسي ونظامه لا يمارس فساد سياسي أو إداري ولا يسمح به لمن حوله كما كان يحدث في أواخر عهد مبارك، وأنه أيضاً لا يمارس فساد ديني وأخلاقي بأن يرسم صورة وهمية لنفسه على أنه قادم من عند الله لإنقاذ مصر كما فعل الإخوان. بل قال ومنذ اللحظة الأولى التي ألقت به الأقدار في هذا المنصب "إنما أنا بشر مثلكم" ولم يعد عموم المصريين سوى بإخلاصه في حب مصر وأن يبذل كل ما يستطيع من جهد مع باقي المصريين لأجل تحقيق التغيير المطلوب سياسياً واقتصادياً.  

وفي الحقيقة هذا الكلام لا يحتاج الأوربيون فقط لسماعه والتأكيد عليه، بل يجب علينا أيضاً أن نذكّر أنفسنا كمصريين به طوال الوقت، خصوصاً في ظل ظهور بعض الأصوات الغير مفهومة من وقت لآخر للهجوم على الرئيس والحكومة، والطريقة الغريبة التي أعطى بها البعض لأنفسهم الحق في العودة – ليس إلى مقاعد المتفرجين – بل إلى مقاعد المحكمين، ونسوا تماماً أن الاتفاق الذي تم بين الرئيس والشعب من البداية قائم على أننا جميعاً مكاننا الوحيد هو داخل الملعب، وليس بيننا متفرج وليس بيننا محكم، وأن معركة إثبات الذات المصرية أمام العالم، ليست معركة الحكومة وحدها، بل معركة كل مصري مهما كان منصبه أو عمله.


Wednesday, April 29, 2015

الشرطة المصرية و الشرطة الأمريكية


Black lives matter protest police

إن أحداث العنف الأخيرة بين الشرطة والمواطنين في الولايات المتحدة الأمريكية، في بالتيمور القريبة جداً من العاصمة واشنطن، وفي ميزوري قبلها ببضعة أشهر، تخبرنا الكثير عن واقع الحال في مصر وتخبرنا أكثر عن مدى تطور الشرطة المصرية رغم كل الظروف التي نمر بها، كما أنها أيضاً تفضح لنا إزدواجية المعايير لدى المجتمع الدولي في تعامله مع ملف الحريات المدنية من دولة لأخرى لأسباب سياسية بحتة. 

فقد كشفت وسائل التواصل الاجتماعي التي اعتمد عليها المتظاهرون ضد عنف الشرطة في أمريكا ما تعمد الإعلام الأمريكي – في معظمه – التعتيم عليه، بحجة أن الشرطة لجأت لاستعمال القوة لأن المتظاهرين أصلاً ينتمون لمجتمعات فقيرة أغلبها من أصحاب البشرة السمراء ويشيع فيها تكوين العصابات واستخدام العنف، لكن الحقيقة التي كشفها نشطاء الانترنت كانت أن الرجل "الأسود" المعروف بإندفاعه هو من التزم بضبط النفس والسلمية في التعبير عن نفسه، في حين أن الرجل "الأبيض" الذي يحمل السلطة والسلاح هو الذي أعتدى وتعسف. 

ولأن الواقعة تكررت أكثر من مرة، دون محاسبة ودون تدخل أو حتى اهتمام من البيت الأبيض، تضخمت المشكلة وأنتقلت في عين المواطن الأمريكي من كونها تجاوزات فردية لبعض أفراد الشرطة إلى كونها منهجية متعمدة، بما أدى إلى ما نراه الآن من فورة تنذر بثورة غضب داخل أمريكا. 

لكن الأمر المزعج أكثر من تعتيم الإعلام وتجاهل الحكومة الأمريكية محاسبة أفراد الشرطة المتجاوزين، هو صمت غالبية المنظمات الحقوقية الدولية عن كل هذه الانتهاكات الصريحة من جانب الشرطة الأمريكية طوال الفترة الماضية، وأخص هنا المنظمات التي لا تفوت فرصة للهجوم على الشرطة المصرية وتصوير ما يحدث من تجاوزات بعض أفرادها الذين طالهم فساد الحقبة الماضية على أنه منهج متعمد لجهاز الشرطة بالكامل، متجاهلين تماماً كل ما تقوم به وزارة الداخلية المصرية من جهد واضح في تطوير الأداء الأمني بما لا يتعارض مع حقوق الإنسان ومحاسبة المقصرين على مرأى ومسمع من الجميع، وهو الأمر الذي لم تقم به دولة طاعنة في الديمقراطية مثل أمريكا. 

ولعل تعمد الأطراف المتربصة بمصر دولياً التركيز على سلبيات الشرطة المصرية، في الوقت الذي يتجاهلون فيه انتهاكات قوات الشرطة في دول مستقرة بالفعل مثل أمريكا، لا يمكن  تفسيره بمنأى عن الحرب التي تخوضها مصر ضد الإرهاب الذي ينهش في قلبها من الداخل، والتي تلعب فيها الشرطة دور حائط الصد الرئيسي بين الإرهابيين والمواطن العادي، وفي إزاحتها أو على الأقل إرباكها وتشتيتها فرصة أكبر لتحقيق مآرب التنظيمات الدولية التي ترغب في جر مصر إلى هوة الإرهاب التي تبتلع الشرق الأوسط الآن وإنجاح مخطط الفوضى الخلاقة الذي بدأ يتحقق بالفعل. 

ومن ناحية أخرى، فإن الشرطة هي أحد أهم الأعمدة التي يستند عليها النظام الحاكم لأي دولة في تحقيق سيادة القانون، لكن في مصر هذا العمود يعاني شرخ أليم بسبب ترسبات حالة الغضب تجاه الشرطة أثناء ثورة يناير وما سبقها، وهذا بالتأكيد يمثل نقطة ضعف يمكن ضرب الدولة المصرية من خلالها بإعادة تأجيج تلك المشاعر من جديد لدى العامة، ولهذا يرى المتربصون بمصر ومن ورائهم الإخوان ضرورة مواصلة الدق عليه بمناسبة وغير مناسبة، ولو أنهم يهتمون لأمر مصر حقاً، لساعدوا الدولة في اتمام المجهودات التي تقوم بها بالفعل لإصلاح هذا الشرخ. 

إن المعضلة الأكبر التي تواجه كل دول العالم بغض النظر عن درجة نموها الاقتصادي أو تطورها الديمقراطي، هي كيفية تحقيق أعلى قدر من الأمن والاستقرار دون المساس بالحقوق الإنسانية والمدنية للمواطنين، خصوصاً الحق في التجمع السلمي وحرية التعبير. وكلما زادت قدرة الدولة على تحقيق هذا التوازن كلما أصبحت أكثر ديمقراطية، وهذا ما كنا نتوقعه من أمريكا رائدة الديمقراطية والحريات المدنية في العالم الحديث. 

ولهذا فإن كل ما على الدولة المصرية فعله الأن هو الاستمتاع بمتابعة فيلم الأكشن الأمريكي، والحرص كل الحرص على مواصلة تنفيذ خارطة الطريق واتخاذ كل ما يحميها من تدابير وعلى رأسها إعلاء سيادة القانون وتطوير أداء جهاز الشرطة لينجح في تحقيق المعادلة الصعبة بين حفظ الأمن وحفظ الحقوق، ومن ثم تشكيل مصر التي نريدها ونستحقها.

  

Monday, April 20, 2015

مصر في مواجهة منظمات الدفاع عن حقوق الإرهابيين

Terrorist human rights


فاجأتنا الصحف المصرية قبل أيام قليلة بعريضة دعوة قضائية رفعتها منظمة "هيومان رايتس ووتش" ضد محامي مصري محترم من القليوبية، تطالبه بتعويض مائة ألف جنيه لأنه طالب السلطات المصرية بالتصدي للمنظمة وما تصدره من تقارير وصفها بأنها مدفوعة سياسياً ضد مصر بهدف الإضرار بسمعتها وأمنها، وللأسف قامت المنظمة برفع القضية من خلال محامي مصري أخر هو الأستاذ نجاد البرعي الحقوقي المعروف. 

وكم كنت أتمنى لو أن الأستاذ نجاد، بدلاً من ذلك، أن يستغل خبرته القانونية والحقوقية في التصدي لهيومان رايتس ووتش وأمثالها من المنظمات، ليس لأنها تسيء لمصر فقط بتقارير ضعيفة من حيث الصياغة وغير نزيهة من حيث المحتوى، ولكن أيضاً لأنها تسيء إلى قيمة سامية مثل حقوق الإنسان بتعمدها لإصدار بيانات وتقارير تبدو في ظاهرها أنها تقارير حقوقية لكن بداخلها هي تقارير سياسية  منحازة تستهدف إظهار الصورة في مصر على غير حقيقتها. 

فلا يخفى على أحد الأكاذيب التي ساقتها منظمة هيومان رايتس ووتش في تقريرها عن أحداث رابعة والنهضة والتي فُضحت عندما خرج صحفي مصري استعانوا بشهادته في هذه التقارير وقال أنهم وضعوا على لسانه كلام غير الذي قاله لهم، وأن المعلومات التي أورودوها في التقرير بشكل عام ليست صحيحة. 

ولا يخفى على أحد أيضاً تعمد منظمة هيومان رايتس ووتش تجاهل التعليق – مجرد التعليق – على الحادث البشع الذي قامت به داعش قبل أشهر قليلة بذبح واحد وعشرين مواطن مصري مسيحي في ليبيا، وبدلاً من أن تدين ذلك العمل الإرهابي البشع أدانت القيادة السياسية في مصر لأنها قررت أن ترد على هؤلاء الإرهابيين وتعطيهم درساً في عقر دارهم، رغم أن القوات المصرية كانت تتعاون مع القوات الليبية صاحبة الأرض في هذه العملية العسكرية، أي أنها لم ترتكب أي انتهاك من أي نوع. وكأن هيومان رايتس ووتش تحولت بذلك الفعل من منظمة للدفاع عن حقوق الإنسان إلى منظمة للدفاع عن الإرهابيين. 

وكم أزعجني أنا شخصياً الكذبة الكبيرة التي رددتها نفس المنظمة في جلسة مصر بمجلس حقوق الإنسان لتبني توصيات المراجعة الدورية الشاملة في شهر مارس، حيث أدعت المنظمة أن ما يحدث في مصر من انتهاك للحقوق والحريات هو أمر غير مسبوق في تاريخها، قالت المنظمة ذلك على الرغم من أن المرحلة الحالية في مصر – وهذه حقيقة واضحة وضوح الشمس – هي الأكثر ازدهاراً من حيث الحقوق والحريات رغم كل المعوقات الأمنية بسبب الأعمال الإرهابية التي تقوم بها جماعة الإخوان المسلمين وأنصارها على طول وادي النيل أو الحرب الضارية التي تخوضها مصر وحيدة ضد الإرهاب على حدودنا الشرقية وعلى حدودنا الغربية أيضاً مؤخراً. 

وتناست المنظمة – ربما عمداً – أن أقدس حق من حقوق الإنسان هو الحق في حياة أمنة، وبدلاً من أن تدين الإرهابيين الذين يخربون في داخل الوطن كل يوم، فهي تدين السلطات المصرية التي تقوم بالقبض عليهم ومحاكمتهم في إجراءات قضائية وأمام محاكم عادية هم لا يستحقونها، فالمنطق يقول أن طريقة التعامل مع الإرهابي ليست إطلاقاً كطريقة التعامل مع المجرم. الحرب على الإرهاب تتطلب التعامل الفوري والحاسم مع عناصره على عكس التعامل مع المجرمين الذين يكون لهم الحق في التمتع بالظهور أمام قاضيهم الطبيعي واتخاذ الإجراءات اللازمة التي تكفل لهم حق الدفاع عن أنفسهم وإثبات براءتهم. وربما ما حدث في فرنسا من قيام السلطات هناك بتصفية الإرهابيين مباشرةَ دون تحقيقات ولا محاكمات بعد حادث شارلي إبدو الشهير هو أبلغ مثال على ذلك. ولم نرى أحد سواء كانت هيومان رايتس ووتش أو غيرها عاب على السلطات الفرنسية أو اتهمها بانتهاك حقوق الإنسان لأنها قامت بتصفية إرهابيين دون تحقيقات. 

لسنوات طويلة كانت منظمة هيومان رايتس ووتش وغيرها من المنظمات المعنية بقضايا حقوق الإنسان على المستوى الدولي محل أحترام وتقدير كبيرين في الأوساط الحقوقية والإعلامية داخل مصر، حتى أنه في بعض الأحيان كنا كحقوقيين نستعين بتقارير المنظمة ونطمئن لما تقدمه من معلومات عن الشأن الداخلي المصري أكثر من ثقتنا في مصداقية المعلومات التي تقدم لنا من مصادر بالداخل، وذلك لأن المنظمة لم يكن لها تحيز واضح مع أو ضد السلطة الحاكمة في مصر وقتها، وكان معيارها الوحيد في تقييم الأمور بشأن مصر لا يتجاوز إيمانها واهتمامها بحقوق الإنسان. 

لكن هذا الموقف تغير كليةً بعد ثورة 30 يونيو التي أطاحت بنظام الإخوان المسلمين، وتحديداً مع بداية إقامة أوكار التخطيط والتنفيذ للعمليات الإرهابية في رابعة والنهضة بعد ثورة 30 يونيو بشهرين. منذ ذلك التوقيت، تحولت منظمة هيومان رايتس ووتش من مناصرة حقوق الإنسان إلى استغلال كل فرصة ممكنة للهجوم على النظام المصري من جانب وتصوير جماعة الإخوان الإرهابية على أنها فصيل سياسي مضطهد. 

وبعملية رصد بسيطة لما تصدره المنظمة من تقارير سنلاحظ أنها ركزت بشكل أساسي على الانتقاد الدائم لأداء الشرطة المصرية وقوات الأمن، ومحاولة تضخيم صورة كاذبة بأن الشرطة تمارس أعمال وحشية في حق مدنيين عزل، فمثلاً في تقرير هيومان رايتس ووتش عن رابعة والنهضة، تعمدت المنظمة تجاهل حقيقة أن أول شهيد سقط صباح يوم فض الاعتصام كان هو ضابط الشرطة الذي كان يحمل البوق الذي كان يناشد من خلاله المتجمعين في مكان الاعتصام بالخروج عبر الممر الأمن ويعدهم فيه أنه لن يمسهم أحد بسوء وأن الرصاصة التي قتلته جاءت من داخل الاعتصام أو بالأحرى الوكر الإرهابي الذي كانت تحاول الشرطة فضه. 

ولعل إعتماد هيومان رايتس ووتش على انتقاد الشرطة وتصويرها بهذه البشاعة في ظروف الحرب على الإرهاب التي تمر بها مصر والتحدي الضخم الذي تواجهه الشرطة المصرية في الموازنة بين الحفاظ على الحد الأدنى من الأمن والاستقرار دون المساس بحقوق وحريات المواطنين – وهو أمر لو تعلمون عظيم – يمكن  تفسيره على مستويين. 
المستوى الأول يصب في حقيقة أن الشرطة هي التي تتعامل بشكل مباشر مع المخربين من جماعة الإخوان الإرهابية وفي إضاعفها أو تقييدها بإدعاء أنها تنتهك حقوق الإنسان إتاحة لفرصة أكبر لجماعة الإخوان لتختبيء في افتعال مظلومية تمكنها من ممارسة ما تريد من إرهاب أو في أحسن الأحوال أن تبرر ما تمارسه من تخريب على أنه رد فعل على عنف الشرطة تجاههم. 

والمستوى الثاني يتعلق بكون الشرطة هي الذراع المكسور لمصر والذي يمكن لهم الضرب عليه لإحداث أكبر قدر من الألم والتشتيت للسلطات المصرية عن المضي قدماً في إنجاز خارطة الطريق ورفع مصر من عثرتها. والمقصود بوصف الذراع المكسور هنا، هو تاريخ الغضب تجاه جهاز الشرطة وأفراده والتي واكبت مرحلة ثورة يناير والسنوات القليلة التي سبقتها، بما أجج مشاعر سلبية انتهت مع إعلان سقوط الإخوان في يوليو 2013، بمشهد درامي هز القلوب حيث كان المواطنون ورجال الشرطة يتعانقون في الميادين العامة مهنئين بعضهم على استعادة مصر وعلى عودتهم لبعضهم البعض يداً واحدة في مواجهة الإخوان أعداء الداخل. 

إن هيومان رايتس ووتش أو غيرها من المنظمات الحقوقية ومراكز الأبحاث التي تهتم بمسائل حقوق الإنسان على مستوى العالم ليست منزهة عن اتهامها بالانحياز، خصوصاً لو كانت منظمة ذات مصادر تمويل مجهولة مثل هيومان رايتس ووتش. فعلى سبيل المثال، أعاني أنا وزملائي في "المركز المصري لدراسات الديمقراطية الحرة" منذ فترة للحصول على أي وثائق أو حتى مجرد معلومات عن مصادر تمويل هذه المنظمة لنضعه ضمن تقرير ننوي تقديمه إلى مجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة لسحب الصفة الاستشارية التي تحظى بها لدى الأمم المتحدة، وسندفع في طرحنا بأنها تستهدف مصر بتقارير مدفوعة سياسياً مستغلة بذلك عملها في مجال حقوق الإنسان. 

وكان أقصى ما استطعنا أن نحصل عليه من معلومات عن تمويل المنظمة هو أنها "منظمة مستقلة لا تتلقى تمويلات من حكومات وتعتمد فقط في مصادر تمويلها على مصادر خاصة من أفراد" ولم تذكر أي شيء عن من هم هؤلاء الأفراد أو المصادر الخاصة، بما يجعلنا نشك وبقوة أن السبب في الانحياز المفاجيء للمنظمة ضد مصر منذ 30 يونيو، ربما سببه أن جماعة الإخوان من خلال تنظيمها الدولي تقوم بتمويل المنظمة عبر أفرادها. 

وحتى تعلن منظمة هيومان رايتس ووتش ذلك بوضوح، من خلال نشر كشف مفصل بمصادر تمويلها وأوجه الصرف على غرار كل المنظمات ومراكز الأبحاث المحترمة في العالم، لا سيما في داخل الولايات المتحدة الأمريكية التي يوجد بها المقر الرئيسي للمنظمة والمسجلة لديها، فستظل كل تقاريرها محل شك، وحتماً ستخسر قدر كبير جداً من مصداقيتها على المستوى العالمي. 

وأخيراً، يجب على السلطات المصرية أن تفوت أي فرصة ممكنة على مثل هذه المنظمات بمواصلة إنجاز الخطوات المتبقية في خارطة الطريق ومحاربة الإرهاب وتطوير اداء أجهزة الأمن، والعمل على التوصيات التي قبلتها مصر في المراجعة الدورية الشاملة بمجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة بعد المعركة الدبلوماسية التي خاضتها الخارجية المصرية بعزة وشرف على مدار الأشهر القليلة الماضية. هذا فقط، ما سيجعل العالم ينظر لمصر باحترام تستحقه، أما التقارير المدفوعة سياسياً من هنا أو هناك فهي كزبد البحر سيتلاشى تأثيرها الوهمي بعد حين، ولن يبقى لنا إلا واقع ما أنجزناه.