Saturday, September 28, 2019

رسائل شباب الإخوان… قراءة ما بين السطور



اكتظت منصات التواصل الاجتماعي، مع اقتراب ذكرى تحرر مصر من حكم الإخوان المسلمين في يونيو ٢٠١٣، بعدد من الفيديوهات الشخصية المصورة باستخدام التليفونات المحمولة، يظهر فيها شباب جماعة الإخوان الهاربين إلى تركيا وبعض الدول الأوروبية، يعلنون فيها غضبهم تجاه قيادات الجماعة الذين استغلوهم في جمع الثروات ثم تخلوا عنهم، وراح بعضهم يطلب من السلطات المصرية السماح لهم بالعودة مقابل تعهدهم بالخروج من جماعة الإخوان والتوقف عن ممارسة أي نشاط سياسي في المستقبل، لتصبح هذه الفيديوهات مجرد حلقة جديدة في سلسلة دعوات المصالحة الإخوانية التي بدأت منذ عام ٢٠١٦، واعتاد المصريون على مقابلتها بشيء من السخرية أحياناً والتجاهل في أغلب الأحيان.

وما أن هدأت هذه الموجة من الفيديوهات إلا وبدأت حلقة جديدة من دعوات المصالحة، والتي أتت على هيئة خطابات مكتوبة بخط اليد يتم تسريبها بين حين وآخر من داخل السجون المصرية، حيث يقضي عناصر الإخوان عقوبات حبس تنفيذاً لأحكام قضائية جراء ارتكابهم لجرائم عنف استهدفت المدنيين ومؤسسات الدولة والمرافق الحيوية ضمن سلسلة الأعمال الانتقامية التي خططت لها ونفذتها جماعة الإخوان في أعقاب سقوطهم من الحكم في عام ٢٠١٣.

الأمر الجديد في هذه الرسائل، على عكس كل دعوات المصالحة السابقة، هو أنها تخرج باسم شباب الجماعة وليس باسم جماعة الإخوان، بل إنها تحمل الكثير من الغضب تجاه قيادات الإخوان، وأنها تخرج في صورة رسائل بسيطة وواضحة موجهة بشكل مباشر للقيادات السياسية والدينية في مصر، وليس للشعب المصري. في الماضي كانت دعوات المصالحة تساق عبر وسائل الإعلام الأوروبية والعربية الموالية للإخوان وعلى لسان شخصيات كبيرة سناً وذات احترام دولي واسع، سواء كانوا أعضاء بالجماعة أو من المثقفين المستقلين الذين تربطهم بعض المصالح مع الإخوان أو مع الدول التي ترعاهم مثل قطر وتركيا، وكانت دائماً موجهة للشعب المصري وليس للقيادة السياسية.

لم استغرب الانقسام الحادث بين شباب الإخوان وقياداتهم، فهناك فجوة ضخمة في طريقة التفكير والتنظيم والإدارة بينهما منذ سنوات، تجلت هذه الفجوة في مرحلة ثورة يناير والسنوات القليلة التي سبقتها. فقد شهدت هذه الفترة، بفضل تكنولوجيا الانترنت، اختلاطاً قوياً بين شباب الإخوان والشباب اليساري والليبرالي على خلفية التدوين الإليكتروني في العالم الافتراضي، وهو اختلاط ما كان ممكناً أن يحدث أبداً بهذه القوة في العالم الحقيقي نظراً للاختلاف الأيديولوجي القوي بينهم وأماكن تجمع كل كتلة من هذه الكتل السياسية.

وقد أدى هذا الاختلاط لتأثر شباب الإخوان بفكر التيارات السياسية الأخرى، وجعل من السهل عليهم إعلان التمرد على أوامر القيادات في بعض الأمور، أشهرها مثلاً إصرارهم على المشاركة في المظاهرات التي مهدت لثورة يناير، رغم تبرؤ قيادات الإخوان منها وإعلانهم عدم اقدام الجماعة بالخروج على نظام مبارك من باب عدم الخروج على إرادة الحاكم، وكان ذلك رغبةً من قيادات الإخوان في الحفاظ على المكاسب التاريخية في عدد ما تم تخصيصه لهم من مقاعد في البرلمان أو توليهم قيادة أغلب النقابات المهنية، إثر صفقة مشبوهة مع نظام مبارك آنذاك.

لكن ما أن تمكن الإخوان من حكم مصر في غفلة من المصريين، أثناء الفوضى التي سادت البلاد في أعقاب ثورة يناير، إلا وأصبح شباب الإخوان نسخة أصغر سناً من قياداتهم، وأصبحوا يتحدثون مثلهم ويصوغون التوازنات السياسية بنفس الطريقة الفاشلة التي اعتمدها قيادات الجماعة، وحتى بعد سقوط حكم الإخوان في أعقاب ثورة شعبية دعمها الجيش المصري في يونيو ٢٠١٣، تحول هؤلاء الشباب إلى ميليشيات تخطط وتنفذ جرائم عنف في كافة ربوع مصر، انتقاماً من المصريين الذين رفضوا تسلقهم إلى سدة الحكم، ضاربين بعرض الحائط بكل قيم المواطنة وحب الوطن التي يتغنون فيها في رسائلهم التي يستعطفون بها القيادة السياسية الآن لإخراجهم من السجن.

إن رسائل شباب الإخوان تحمل بين سطورها أكثر مما هو مكتوب فيها، فهي في حقيقتها تنبئ بموت جيل كامل داخل جماعة الإخوان وميلاد جيل إخواني جديد أكثر شراسة وأكثر مواكبة لأدوات العصر وأكثر قدرة على الخداع والمراوغة، يبحث عن فرصة للخروج من السجن للإعلان عن نفسه، وهي الفرصة التي لا أعتقد أن القيادة السياسية أو الشعب المصري مستعد أن يمنحها لهم في أي وقت قريب.

كما يبدو، بقليل من الإمعان، في لغة وصياغة رسائل شباب الإخوان، أنها موجهة لأطراف بعينها، من ناحية فهم يستهدفون بها تذكير قيادات الجماعة بقوتهم العددية وحضورهم، الذي يجعل من تمرد وغضب هؤلاء الشباب قوة قد تضر بالمصالح الشخصية لهذه القيادات، خصوصاً بعدما تخلوا عن الشباب المحبوس صراحةً، وتوقفوا عن إرسال الأموال لهم ولأسرهم، وانخرطوا في صراعات شخصية على زعامة الجماعة وتقسيم أموال الجماعة فيما بينهم.

من جهة أخرى، فإن رسائل شباب الإخوان تحمل رسالة غير مباشرة للدول الراعية لقيادات الإخوان الهاربين في الخارج، ومنها قطر وتركيا وحتى بريطانيا التي تفتح باب اللجوء السياسي للإخوان على مصراعيه حتى اليوم، في محاولة لتذكير هذه الحكومات بأن الجيل القديم في جماعة الإخوان لم يعد ذو فائدة وأن جيل الشباب هو مستقبل الإخوان والعماد الأهم والأنفع لتحقيق مصالح هذه الدول في المنقطة العربية، وهو ما يتفق كثيراً مع حالة اليأس وخيبة الأمل التي أصبحت تحملها هذه الدول تجاه القيادات الإخوانية التي تستضيفها على أراضيها وترعاها، وهي تشاهد قوتهم في التأثير على دول الشرق الأوسط في تضاؤل مستمر، خصوصاً بعد المقاطعة العربية لقطر قبل بضعة أعوام.

إن القيادة السياسية في مصر، والشعب كذلك، يعلم جيداً أن الاستجابة لرسائل شباب الإخوان أو الانخداع بدموعهم أو حديثهم عن “حب الوطن” الذي لم يكن أبداً من مفردات قاموسهم، سيكون بداية لكابوس لن ينجو منه الشرق الأوسط لعقود لاحقة، فقد سبق وأخطأ الرئيس السادات وأخرج الإخوان من السجون في بداية عهده، وكانت النتيجة أن قتلوه بدم بارد، حتى لو صدقنا أن هناك خلافاً حقيقياً بين شباب الإخوان وقياداتهم، فهذا لا يعني أنهم أصبحوا بقدرة قادر ملائكة، فما زالت عقيدتهم الإخوانية الفاسدة، التي تتخذ من ممارسة العنف والإرهاب وسيلة للتقرب إلى الله تحت شعار الجهاد، جزء أصيل من تكوينهم الفكري والعقائدي.



Wednesday, September 04, 2019

Tunisia: Who is Closest to Winning Presidency?



In two weeks, Tunisia’s urgent presidential elections is scheduled to take place, on 13th to 15th of September. The 26 candidates, approved by the Supreme Electoral Commission, including women, youth, secularists, Islamists, and high-profile officials, have already launched their electoral campaigns, since the beginning of the month.

The most important of all candidates in this tranquil competition are two: First; Sheikh Abdel Fattah Mourou; the prominent political Islamist and lawyer – or, the “rare bird” – as described by Rachid Ghannoushi, his lifetime friend and co-founder of the Islamist Ennahda Party. And, second, Abdel Karim Al-Zubaidi; Minister of Defense under Essebsi, who enjoys an extended political and bureaucratic experience in public policy and administration.

The presidential elections scene, in Tunisia, looks like another, yet more peaceful, round of the conflict that has been going on since Arab Spring revolutions, between Islamists yearning to establish their Caliphate system of governance over the ruins of the shaken national states, and secularists pushing back in an attempt to preserve the well-being and continuity of the national states. 

Tunisia is the new ground for this ongoing conflict, and the rules of the game this time is much more complicated, which poses the question: of all secularists, Islamists, and bureaucrats running for the president’s seat, who has the highest potential to win it?

To begin with, the large number of candidates, which some may celebrate as a reflection of a healthy democratic context, does not bode well for supporters of Tunisia's civil or secular movement. Of the 97 applicants, 26 were accepted by the Supreme Elections Committee. The number of applicants is disturbingly massive, and the number of finalists is still too much for a relatively small country with a population of less than ten million people who are demographically harmonious. 

This large number of candidates reflects the disintegration of the secular political elite, and a rivalry based on narcissistic prejudices, rather than a balanced political vision and coordination. This may, eventually, lead to the fragmentation of votes among supporters of the secular movement. In contrast, the supporters of Islamists are usually more coherent when it comes to voting in elections; as they follow the orders of their Supreme Guide, regardless of the identity or number of candidates that represent their movement.

Nevertheless, the supporters of the secular movement, may fall into the trap of emotionally-motivated voting, out of their desire to stand up for human rights values they cherish. In other words, some secular votes may easily be wasted on incompetent candidates only because they are women or youth; just for the sake of making a statement in support of women’s rights or youth right to substitute the old politicians, who have been occupying the political leadership for decades. 

This apprehension is heightened if we look at the candidates' programs. Ironically, all candidates offered similar proposals, despite their different political agendas and backgrounds. They may be summarized in two points: improving the deteriorating economy and upgrading the international status of Tunisia. Most Tunisians know that those exquisitely written and verbalized proposals are no more than hollow promises of a rosy future that neither the state can afford nor the presidential candidate can achieve. The reason is not only that the proposed programs and projects require huge funds and resources not owned by the Tunisian state, which depends on external loans; but also, because the currently applied system of governance makes the president of the state incapable of making independent decisions, free from the resistance of the other two co-presidents of government and parliament.

Out of fear of falling back into dictatorship, the post-revolution constitution in Tunisia, tailored a system of governance that is neither presidential nor parliamentarian. Rather, it is based on balancing the decision-making process between three authorities – or “presidencies” as the Tunisians call it: The President of the State, the Prime Minister (the president of the government), and the Chair of Parliament (the president of legislation). 

This means that whoever becomes the president, will be forced to involve the other two presidents in deciding about how to proceed with implementing his own electoral promises. The other two presidents, usually, come from political parties that carries an agenda that is, not only different, but contradictory to the president’s agenda. In theory, the “three presidencies” may look like a brilliant democratic system that involves all and excludes none. But, in reality, it is extremely difficult for a country to achieve any tangible progress under three presidents, whose agendas and visions are inconsistent. 

The politically aware people of Tunisia know that they cannot depend on rosy promises and inapplicable electoral programs in deciding about their next president of the state. Therefore, the people’s choice will, most likely, depend on the political history and experience of each candidate, in addition to candidate’s personal integrity and reputation. 

Based on this criterion, Dr. Abdel Karim Al-Zubaidi is the candidate with the highest potential to become the next president of Tunisia. In addition to his personal clean records and long experience in high-profile bureaucratic and political positions, he served as the Minister of Defense. The military is highly respected and admired by the Tunisian people because of its bias to the will of the people against Ben Ali’s regime and declining Ben Ali’s orders to shoot the protesters in the 2010/2011 revolution. 

On the other hand, the return of Sheikh Mourou, in an attempt to beautify Ennahdha's face and reintroduce Islamists' agenda on a plate of devious moderation, in an attempt to rescue the party’s eroded popularity, does not succeed in deceiving the Tunisian voters, as expected. Besides, the secular candidates, who are publicly allied with the Islamists are not properly welcomed by the Tunisian people; including prominent politicians like Youssef Chahed, who served as the Prime Minister under Essebsi.

Certainly, Tunisia will not slip back into dictatorship. The Tunisian people are showing high discipline and respect to democratic practices, so far. However, the risk of slipping back into the hands of Islamists does still exist. Uniting behind one secular candidate is the only way to push away this risk and make sure that the national state in Tunisia shall continue to proceed its tough path towards liberal democratization and better economic future.

تونس: لمن الرئاسة اليوم؟



أيام قليلة تفصلنا عن الانتخابات الرئاسية المستعجلة في تونس، والتي تقرر عقدها أيام ١٣ إلى ١٥ سبتمبر، وقد بدأ المرشحون الذين وافقت عليهم الهيئة العليا للانتخابات حملاتهم الانتخابية منذ بداية الشهر، والبالغ عددهم ستة وعشرين مرشحاً، منهم المرأة والشباب ورجال السياسة المخضرمين، وكبار الشخصيات في الحكومة. 

إلا أن أهم المرشحين في هذه المنافسة الهادئة حتى الآن هما: مرشح الإسلاميين الأبرز، الشيخ عبد الفتاح مورو، أو "العصفور النادر" بحسب وصف رفيق عمره راشد الغنوشي رئيس حزب النهضة الإخواني، وعبد الكريم الزبيدي، وزير الدفاع في دولة السبسي، والذي يتمتع بخبرة سياسية وبيروقراطية كبيرة، وله تاريخ طويل من المواقف الحاسمة تجاه الفكر المتطرف وجماعات الإسلام السياسي.

وكأن مشهد الانتخابات الحالية في تونس هو تكرار بشيء من الابتكار، وعلى أرضية ديمقراطية، لنفس مشاهد الصراعات التي رأيناها في منطقة الشرق الأوسط، منذ ثورات الربيع العربي، بين محاولات البيروقراطيين الحفاظ على تماسك واستمرار الدولة الوطنية في مقابل محاولات الإسلاميين التسلق على سلالم الديمقراطية لهدم الدولة المدنية وإقامة نظام الخلافة وفق قواعد الشريعة الإسلامية.

فمن سيكسب جولة الصراع الحالية في تونس بين الدولة الوطنية العلمانية وأحلام الخلافة الإسلامية؟ 

بدايةً فإن العدد الكبير للمرشحين، والذي قد يحتفي به البعض كانعكاس للمناخ الديمقراطي الصحي، فإنه في الحقيقة لا يبشر بخير بالنسبة لمؤيدي الحركة المدنية أو العلمانية في تونس. فمن بين سبعة وتسعين تقدموا بأوراقهم تم قبول ستة وعشرين مرشح بشكل نهائي، عدد المتقدمين كبير جداً وعدد المرشحين النهائيين كبير جداً أيضاً، بالنسبة لدولة صغيرة نسبياً من حيث عدد السكان الذي لا يتجاوز العشرة ملايين نسمة، ويتمتع بتناسق ديمغرافي من حيث الخلفيات الدينية والثقافية والاجتماعية لعموم الشعب. 

وهذا العدد الكبير للمرشحين لمنصب الرئاسة يعكس تفكك في النخبة السياسية، وتناحر قائم على النزعات النرجسية لدى كل مرشح والحزب الذي يمثله في مقابل المرشحين الآخرين، وربما يؤدي ذلك إلى تفتت الأصوات بين مؤيدي التيار العلماني، في مقابل مؤيدي التيار الإسلامي الذين يكونون أكثر تماسكاً في عمليات التصويت، بحسب أوامر مرشدهم الأعلى، بغض النظر عن وجود أكثر من مرشح يمثلهم أو متحالف معهم. 

كما أن مؤيدي التيار العلماني أنفسهم، وبرغم درجة وعيهم الكبيرة واتساع نشاطهم السياسي، يخشى عليهم الوقوع في فخ التصويت لبعض المرشحين بشكل عاطفي بناء على ما يؤمنون به من قيم حقوقية وليس بناء على تحليل سياسي معمق لمن هو الأصلح والأكفأ، بمعنى أنه ربما تذهب كثير من الأصوات للمرشحتين السيدتين فقط من باب الانتصار لحقوق المرأة، أو للمرشح الشاب فقط من باب دعم وجود الشباب في العمل السياسي أو رفضاً للعجائز الذين ما زالوا يحتلون صدارة المشهد السياسي منذ عهد بن علي، وليس لأن أي منهم يمتلك الكفاءة والمؤهلات المناسبة لمنصب الرئيس، وهذا بالتأكيد سيفتت أصوات مؤيدي التيار العلماني ويضعف من فرص المرشحين العلمانيين في مقابل المرشحين الإسلاميين أو المتحالفين معهم. 

يزداد هذا التخوف إذا ما نظرنا إلى برامج المرشحين، والتي تتطابق جميعها رغم اختلاف توجهاتهم السياسية، حيث تتلخص جميع البرامج في نقطتين: تحسين الوضع الاقتصادي المتردي والارتقاء بالمكانة الدولية لتونس، وهي في حقيقتها – كما يعلم أغلب التونسيون – لا تتجاوز كونها وعود وردية جوفاء لن يستطيع أي من المرشحين تحقيقها في حال فوزه، والسبب ليس فقط أن هذه المشاريع التي يتغنون بها تحتاج استثمارات وموارد هائلة لا تمتلكها الدولة التونسية التي تعتمد على القروض الخارجية في إدارة شئونها، ولكن أيضاً لأن النظام السياسي المعمول به حالياً في تونس لا يجعل من رئيس الدولة صاحب قرار مستقل يستطيع به قيادة البلاد في اتجاه معين دون معارضة أو مقاومة من السلطات الأخرى. 

إذ أنه خشية تكرار الحقبة الديكتاتورية التي غرقت فيها البلاد لعقود، فإن نظام الحكم في تونس، وفقاً للدستور القائم، ليس نظاماً رئاسياً، وليس حتى نظاماً برلمانياً، بل هو نظام قائم على تحقيق التوازن بين ثلاث سلطات أو "رئاسات" كما يسمونها، رئاسة الدولة ورئاسة الحكومة ورئاسة البرلمان، وهذا يعني أنه حتى لو حصل حزب معين على رئاسة الدولة في هذه الانتخابات فإنه من باب تحقيق التوازن السياسي وفق هذا النظام، سيجد نفسه مضطراً للتعامل مع رئيس برلمان ورئيس حكومة من أحزاب أخرى ربما تحمل عقيدة سياسية ورؤية حزبية ليست فقط مختلفة معه كرئيس دولة، بل متنافرة، وهذا وإن كان يعكس صورة مثالية لتحقيق الديمقراطية التمثيلية على الورق، إلا أنه في الواقع العملي يجعل مسألة إدارة البلاد أمر في غاية الصعوبة، بل ربما يشكل عائقاً عن إحداث أي تقدم يذكر في أجندات حيوية مثل الاقتصاد والعلاقات الدولية. 

ولأن الشعب التونسي المثقف يعلم خطورة هذا الأمر، فإن اختياره حتماً لن يعتمد على البرامج الخادعة التي يسوقها المرشحين في خطابات منمقة، ولكن سيكون الاختيار بناء على الخلفية السياسية وتاريخ كل مرشح بشخصه وبصفته الحزبية، وليس ما يقدمه المرشح أو يعد به الآن ضمن حملته الانتخابية. 

وبالنظر لأسماء المرشحين، وخلفياتهم السياسية، فيبدو أن الدكتور عبد الكريم الزبيدي هو الأقرب للفوز، نظراً لنزاهة تاريخه الشخصي وخبرته السياسية والبيروقراطية الطويلة، فضلاً على عمله كوزير للدفاع والذي جعله جزء من المؤسسة العسكرية التي تحظى بحب واحترام كبير داخل تونس، خصوصاً بعد موقفهم الداعم للشعب وقت الثورة على نظام بن علي ورفضهم أوامر النظام بقتل المتظاهرين آنذاك. 

حتى أن عودة الشيخ مورو لتجميل وجه حزب النهضة وإعادة طرح أجندة الإسلاميين بشكل أكثر اعتدالاً، كي يستطيع الحزب أن يسقيه كالسم في العسل للشعب التونسي، لن تستطيع أن تمحو تاريخ الحركة الإسلامية التي تتآكل شعبيتها في الشارع السياسي بشكل ملحوظ منذ دخولهم معترك السياسة بكل ثقلهم في ٢٠١١. 

كما أن أغلب المرشحين العلمانيين الآخرين بما فيهم كبار الموظفين في الحكومة الحالية، كانت لهم تحالفات معلنة مع حركة النهضة الإخوانية، مما سيضعف من رصيدهم لدى الشعب، بما في ذلك يوسف الشاهد رئيس الحكومة في ظل دولة السبسي والذي تنازل عن رئاسة الوزراء لوزير الخارجية السابق في عهد بن علي لكي يستطيع تقديم أوراقه للترشح على منصب الرئيس بعد موت السبسي، في مشهد أفزع الكثير من التونسيون الذين ثاروا على ديكتاتورية بن علي. 

المؤكد أن تونس لن تعود للوراء ولن يقبل الشعب التونسي بحكم ديكتاتوري جديد، ولكن التوحد وراء مرشح مدني أمر في غاية الأهمية، حتى لا تسقط الدولة في براثن جماعة الإخوان المسلمين الأمهر على الإطلاق في التلاعب بالديمقراطية من أجل تخريب وهدم الدول الوطنية في منطقتنا من أجل إقامة خلافتهم المزعومة.