Wednesday, April 29, 2015

الشرطة المصرية و الشرطة الأمريكية


Black lives matter protest police

إن أحداث العنف الأخيرة بين الشرطة والمواطنين في الولايات المتحدة الأمريكية، في بالتيمور القريبة جداً من العاصمة واشنطن، وفي ميزوري قبلها ببضعة أشهر، تخبرنا الكثير عن واقع الحال في مصر وتخبرنا أكثر عن مدى تطور الشرطة المصرية رغم كل الظروف التي نمر بها، كما أنها أيضاً تفضح لنا إزدواجية المعايير لدى المجتمع الدولي في تعامله مع ملف الحريات المدنية من دولة لأخرى لأسباب سياسية بحتة. 

فقد كشفت وسائل التواصل الاجتماعي التي اعتمد عليها المتظاهرون ضد عنف الشرطة في أمريكا ما تعمد الإعلام الأمريكي – في معظمه – التعتيم عليه، بحجة أن الشرطة لجأت لاستعمال القوة لأن المتظاهرين أصلاً ينتمون لمجتمعات فقيرة أغلبها من أصحاب البشرة السمراء ويشيع فيها تكوين العصابات واستخدام العنف، لكن الحقيقة التي كشفها نشطاء الانترنت كانت أن الرجل "الأسود" المعروف بإندفاعه هو من التزم بضبط النفس والسلمية في التعبير عن نفسه، في حين أن الرجل "الأبيض" الذي يحمل السلطة والسلاح هو الذي أعتدى وتعسف. 

ولأن الواقعة تكررت أكثر من مرة، دون محاسبة ودون تدخل أو حتى اهتمام من البيت الأبيض، تضخمت المشكلة وأنتقلت في عين المواطن الأمريكي من كونها تجاوزات فردية لبعض أفراد الشرطة إلى كونها منهجية متعمدة، بما أدى إلى ما نراه الآن من فورة تنذر بثورة غضب داخل أمريكا. 

لكن الأمر المزعج أكثر من تعتيم الإعلام وتجاهل الحكومة الأمريكية محاسبة أفراد الشرطة المتجاوزين، هو صمت غالبية المنظمات الحقوقية الدولية عن كل هذه الانتهاكات الصريحة من جانب الشرطة الأمريكية طوال الفترة الماضية، وأخص هنا المنظمات التي لا تفوت فرصة للهجوم على الشرطة المصرية وتصوير ما يحدث من تجاوزات بعض أفرادها الذين طالهم فساد الحقبة الماضية على أنه منهج متعمد لجهاز الشرطة بالكامل، متجاهلين تماماً كل ما تقوم به وزارة الداخلية المصرية من جهد واضح في تطوير الأداء الأمني بما لا يتعارض مع حقوق الإنسان ومحاسبة المقصرين على مرأى ومسمع من الجميع، وهو الأمر الذي لم تقم به دولة طاعنة في الديمقراطية مثل أمريكا. 

ولعل تعمد الأطراف المتربصة بمصر دولياً التركيز على سلبيات الشرطة المصرية، في الوقت الذي يتجاهلون فيه انتهاكات قوات الشرطة في دول مستقرة بالفعل مثل أمريكا، لا يمكن  تفسيره بمنأى عن الحرب التي تخوضها مصر ضد الإرهاب الذي ينهش في قلبها من الداخل، والتي تلعب فيها الشرطة دور حائط الصد الرئيسي بين الإرهابيين والمواطن العادي، وفي إزاحتها أو على الأقل إرباكها وتشتيتها فرصة أكبر لتحقيق مآرب التنظيمات الدولية التي ترغب في جر مصر إلى هوة الإرهاب التي تبتلع الشرق الأوسط الآن وإنجاح مخطط الفوضى الخلاقة الذي بدأ يتحقق بالفعل. 

ومن ناحية أخرى، فإن الشرطة هي أحد أهم الأعمدة التي يستند عليها النظام الحاكم لأي دولة في تحقيق سيادة القانون، لكن في مصر هذا العمود يعاني شرخ أليم بسبب ترسبات حالة الغضب تجاه الشرطة أثناء ثورة يناير وما سبقها، وهذا بالتأكيد يمثل نقطة ضعف يمكن ضرب الدولة المصرية من خلالها بإعادة تأجيج تلك المشاعر من جديد لدى العامة، ولهذا يرى المتربصون بمصر ومن ورائهم الإخوان ضرورة مواصلة الدق عليه بمناسبة وغير مناسبة، ولو أنهم يهتمون لأمر مصر حقاً، لساعدوا الدولة في اتمام المجهودات التي تقوم بها بالفعل لإصلاح هذا الشرخ. 

إن المعضلة الأكبر التي تواجه كل دول العالم بغض النظر عن درجة نموها الاقتصادي أو تطورها الديمقراطي، هي كيفية تحقيق أعلى قدر من الأمن والاستقرار دون المساس بالحقوق الإنسانية والمدنية للمواطنين، خصوصاً الحق في التجمع السلمي وحرية التعبير. وكلما زادت قدرة الدولة على تحقيق هذا التوازن كلما أصبحت أكثر ديمقراطية، وهذا ما كنا نتوقعه من أمريكا رائدة الديمقراطية والحريات المدنية في العالم الحديث. 

ولهذا فإن كل ما على الدولة المصرية فعله الأن هو الاستمتاع بمتابعة فيلم الأكشن الأمريكي، والحرص كل الحرص على مواصلة تنفيذ خارطة الطريق واتخاذ كل ما يحميها من تدابير وعلى رأسها إعلاء سيادة القانون وتطوير أداء جهاز الشرطة لينجح في تحقيق المعادلة الصعبة بين حفظ الأمن وحفظ الحقوق، ومن ثم تشكيل مصر التي نريدها ونستحقها.

  

Monday, April 20, 2015

مصر في مواجهة منظمات الدفاع عن حقوق الإرهابيين

Terrorist human rights


فاجأتنا الصحف المصرية قبل أيام قليلة بعريضة دعوة قضائية رفعتها منظمة "هيومان رايتس ووتش" ضد محامي مصري محترم من القليوبية، تطالبه بتعويض مائة ألف جنيه لأنه طالب السلطات المصرية بالتصدي للمنظمة وما تصدره من تقارير وصفها بأنها مدفوعة سياسياً ضد مصر بهدف الإضرار بسمعتها وأمنها، وللأسف قامت المنظمة برفع القضية من خلال محامي مصري أخر هو الأستاذ نجاد البرعي الحقوقي المعروف. 

وكم كنت أتمنى لو أن الأستاذ نجاد، بدلاً من ذلك، أن يستغل خبرته القانونية والحقوقية في التصدي لهيومان رايتس ووتش وأمثالها من المنظمات، ليس لأنها تسيء لمصر فقط بتقارير ضعيفة من حيث الصياغة وغير نزيهة من حيث المحتوى، ولكن أيضاً لأنها تسيء إلى قيمة سامية مثل حقوق الإنسان بتعمدها لإصدار بيانات وتقارير تبدو في ظاهرها أنها تقارير حقوقية لكن بداخلها هي تقارير سياسية  منحازة تستهدف إظهار الصورة في مصر على غير حقيقتها. 

فلا يخفى على أحد الأكاذيب التي ساقتها منظمة هيومان رايتس ووتش في تقريرها عن أحداث رابعة والنهضة والتي فُضحت عندما خرج صحفي مصري استعانوا بشهادته في هذه التقارير وقال أنهم وضعوا على لسانه كلام غير الذي قاله لهم، وأن المعلومات التي أورودوها في التقرير بشكل عام ليست صحيحة. 

ولا يخفى على أحد أيضاً تعمد منظمة هيومان رايتس ووتش تجاهل التعليق – مجرد التعليق – على الحادث البشع الذي قامت به داعش قبل أشهر قليلة بذبح واحد وعشرين مواطن مصري مسيحي في ليبيا، وبدلاً من أن تدين ذلك العمل الإرهابي البشع أدانت القيادة السياسية في مصر لأنها قررت أن ترد على هؤلاء الإرهابيين وتعطيهم درساً في عقر دارهم، رغم أن القوات المصرية كانت تتعاون مع القوات الليبية صاحبة الأرض في هذه العملية العسكرية، أي أنها لم ترتكب أي انتهاك من أي نوع. وكأن هيومان رايتس ووتش تحولت بذلك الفعل من منظمة للدفاع عن حقوق الإنسان إلى منظمة للدفاع عن الإرهابيين. 

وكم أزعجني أنا شخصياً الكذبة الكبيرة التي رددتها نفس المنظمة في جلسة مصر بمجلس حقوق الإنسان لتبني توصيات المراجعة الدورية الشاملة في شهر مارس، حيث أدعت المنظمة أن ما يحدث في مصر من انتهاك للحقوق والحريات هو أمر غير مسبوق في تاريخها، قالت المنظمة ذلك على الرغم من أن المرحلة الحالية في مصر – وهذه حقيقة واضحة وضوح الشمس – هي الأكثر ازدهاراً من حيث الحقوق والحريات رغم كل المعوقات الأمنية بسبب الأعمال الإرهابية التي تقوم بها جماعة الإخوان المسلمين وأنصارها على طول وادي النيل أو الحرب الضارية التي تخوضها مصر وحيدة ضد الإرهاب على حدودنا الشرقية وعلى حدودنا الغربية أيضاً مؤخراً. 

وتناست المنظمة – ربما عمداً – أن أقدس حق من حقوق الإنسان هو الحق في حياة أمنة، وبدلاً من أن تدين الإرهابيين الذين يخربون في داخل الوطن كل يوم، فهي تدين السلطات المصرية التي تقوم بالقبض عليهم ومحاكمتهم في إجراءات قضائية وأمام محاكم عادية هم لا يستحقونها، فالمنطق يقول أن طريقة التعامل مع الإرهابي ليست إطلاقاً كطريقة التعامل مع المجرم. الحرب على الإرهاب تتطلب التعامل الفوري والحاسم مع عناصره على عكس التعامل مع المجرمين الذين يكون لهم الحق في التمتع بالظهور أمام قاضيهم الطبيعي واتخاذ الإجراءات اللازمة التي تكفل لهم حق الدفاع عن أنفسهم وإثبات براءتهم. وربما ما حدث في فرنسا من قيام السلطات هناك بتصفية الإرهابيين مباشرةَ دون تحقيقات ولا محاكمات بعد حادث شارلي إبدو الشهير هو أبلغ مثال على ذلك. ولم نرى أحد سواء كانت هيومان رايتس ووتش أو غيرها عاب على السلطات الفرنسية أو اتهمها بانتهاك حقوق الإنسان لأنها قامت بتصفية إرهابيين دون تحقيقات. 

لسنوات طويلة كانت منظمة هيومان رايتس ووتش وغيرها من المنظمات المعنية بقضايا حقوق الإنسان على المستوى الدولي محل أحترام وتقدير كبيرين في الأوساط الحقوقية والإعلامية داخل مصر، حتى أنه في بعض الأحيان كنا كحقوقيين نستعين بتقارير المنظمة ونطمئن لما تقدمه من معلومات عن الشأن الداخلي المصري أكثر من ثقتنا في مصداقية المعلومات التي تقدم لنا من مصادر بالداخل، وذلك لأن المنظمة لم يكن لها تحيز واضح مع أو ضد السلطة الحاكمة في مصر وقتها، وكان معيارها الوحيد في تقييم الأمور بشأن مصر لا يتجاوز إيمانها واهتمامها بحقوق الإنسان. 

لكن هذا الموقف تغير كليةً بعد ثورة 30 يونيو التي أطاحت بنظام الإخوان المسلمين، وتحديداً مع بداية إقامة أوكار التخطيط والتنفيذ للعمليات الإرهابية في رابعة والنهضة بعد ثورة 30 يونيو بشهرين. منذ ذلك التوقيت، تحولت منظمة هيومان رايتس ووتش من مناصرة حقوق الإنسان إلى استغلال كل فرصة ممكنة للهجوم على النظام المصري من جانب وتصوير جماعة الإخوان الإرهابية على أنها فصيل سياسي مضطهد. 

وبعملية رصد بسيطة لما تصدره المنظمة من تقارير سنلاحظ أنها ركزت بشكل أساسي على الانتقاد الدائم لأداء الشرطة المصرية وقوات الأمن، ومحاولة تضخيم صورة كاذبة بأن الشرطة تمارس أعمال وحشية في حق مدنيين عزل، فمثلاً في تقرير هيومان رايتس ووتش عن رابعة والنهضة، تعمدت المنظمة تجاهل حقيقة أن أول شهيد سقط صباح يوم فض الاعتصام كان هو ضابط الشرطة الذي كان يحمل البوق الذي كان يناشد من خلاله المتجمعين في مكان الاعتصام بالخروج عبر الممر الأمن ويعدهم فيه أنه لن يمسهم أحد بسوء وأن الرصاصة التي قتلته جاءت من داخل الاعتصام أو بالأحرى الوكر الإرهابي الذي كانت تحاول الشرطة فضه. 

ولعل إعتماد هيومان رايتس ووتش على انتقاد الشرطة وتصويرها بهذه البشاعة في ظروف الحرب على الإرهاب التي تمر بها مصر والتحدي الضخم الذي تواجهه الشرطة المصرية في الموازنة بين الحفاظ على الحد الأدنى من الأمن والاستقرار دون المساس بحقوق وحريات المواطنين – وهو أمر لو تعلمون عظيم – يمكن  تفسيره على مستويين. 
المستوى الأول يصب في حقيقة أن الشرطة هي التي تتعامل بشكل مباشر مع المخربين من جماعة الإخوان الإرهابية وفي إضاعفها أو تقييدها بإدعاء أنها تنتهك حقوق الإنسان إتاحة لفرصة أكبر لجماعة الإخوان لتختبيء في افتعال مظلومية تمكنها من ممارسة ما تريد من إرهاب أو في أحسن الأحوال أن تبرر ما تمارسه من تخريب على أنه رد فعل على عنف الشرطة تجاههم. 

والمستوى الثاني يتعلق بكون الشرطة هي الذراع المكسور لمصر والذي يمكن لهم الضرب عليه لإحداث أكبر قدر من الألم والتشتيت للسلطات المصرية عن المضي قدماً في إنجاز خارطة الطريق ورفع مصر من عثرتها. والمقصود بوصف الذراع المكسور هنا، هو تاريخ الغضب تجاه جهاز الشرطة وأفراده والتي واكبت مرحلة ثورة يناير والسنوات القليلة التي سبقتها، بما أجج مشاعر سلبية انتهت مع إعلان سقوط الإخوان في يوليو 2013، بمشهد درامي هز القلوب حيث كان المواطنون ورجال الشرطة يتعانقون في الميادين العامة مهنئين بعضهم على استعادة مصر وعلى عودتهم لبعضهم البعض يداً واحدة في مواجهة الإخوان أعداء الداخل. 

إن هيومان رايتس ووتش أو غيرها من المنظمات الحقوقية ومراكز الأبحاث التي تهتم بمسائل حقوق الإنسان على مستوى العالم ليست منزهة عن اتهامها بالانحياز، خصوصاً لو كانت منظمة ذات مصادر تمويل مجهولة مثل هيومان رايتس ووتش. فعلى سبيل المثال، أعاني أنا وزملائي في "المركز المصري لدراسات الديمقراطية الحرة" منذ فترة للحصول على أي وثائق أو حتى مجرد معلومات عن مصادر تمويل هذه المنظمة لنضعه ضمن تقرير ننوي تقديمه إلى مجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة لسحب الصفة الاستشارية التي تحظى بها لدى الأمم المتحدة، وسندفع في طرحنا بأنها تستهدف مصر بتقارير مدفوعة سياسياً مستغلة بذلك عملها في مجال حقوق الإنسان. 

وكان أقصى ما استطعنا أن نحصل عليه من معلومات عن تمويل المنظمة هو أنها "منظمة مستقلة لا تتلقى تمويلات من حكومات وتعتمد فقط في مصادر تمويلها على مصادر خاصة من أفراد" ولم تذكر أي شيء عن من هم هؤلاء الأفراد أو المصادر الخاصة، بما يجعلنا نشك وبقوة أن السبب في الانحياز المفاجيء للمنظمة ضد مصر منذ 30 يونيو، ربما سببه أن جماعة الإخوان من خلال تنظيمها الدولي تقوم بتمويل المنظمة عبر أفرادها. 

وحتى تعلن منظمة هيومان رايتس ووتش ذلك بوضوح، من خلال نشر كشف مفصل بمصادر تمويلها وأوجه الصرف على غرار كل المنظمات ومراكز الأبحاث المحترمة في العالم، لا سيما في داخل الولايات المتحدة الأمريكية التي يوجد بها المقر الرئيسي للمنظمة والمسجلة لديها، فستظل كل تقاريرها محل شك، وحتماً ستخسر قدر كبير جداً من مصداقيتها على المستوى العالمي. 

وأخيراً، يجب على السلطات المصرية أن تفوت أي فرصة ممكنة على مثل هذه المنظمات بمواصلة إنجاز الخطوات المتبقية في خارطة الطريق ومحاربة الإرهاب وتطوير اداء أجهزة الأمن، والعمل على التوصيات التي قبلتها مصر في المراجعة الدورية الشاملة بمجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة بعد المعركة الدبلوماسية التي خاضتها الخارجية المصرية بعزة وشرف على مدار الأشهر القليلة الماضية. هذا فقط، ما سيجعل العالم ينظر لمصر باحترام تستحقه، أما التقارير المدفوعة سياسياً من هنا أو هناك فهي كزبد البحر سيتلاشى تأثيرها الوهمي بعد حين، ولن يبقى لنا إلا واقع ما أنجزناه.   


Thursday, April 16, 2015

اخلعوا حجاب العقل أولى


Muslim Woman Boston Street Art

أتفق تماماً مع من يرون أن مظهر الناس هو أبلغ تعبير عن درجة تحضر المجتمع وثقافة من يعيشون فيه، وأتفق معهم أيضاً في المطالبة والعمل من أجل عودة مصر التي كانت أجمل من أوروبا في الخمسينات والستينات، وكانت أحد مظاهر هذا الجمال يكمن في أهتمام المصريين بأناقتهم، كانت المرأة ترتدي الفساتين وقصة الشعر الأنيقة حتى وهي تشتري الخضار، وكان الرجل يرتدي البدلة ورابطة العنق الشيك حتى وهو يشرب شاي على القهوة، ولم يكن للحجاب الذي أنتشر في أغلب مصر اليوم وجود، كما لم يكن للبنطلونات "الساقطة" (هذه ليست سبة، هكذا يسمونها) التي يرتديها شباب هذه الأيام وجود أيضاً. 

أقول كلامي هذا تعليقاً على حملة انطلقت في الأيام القليلة الماضية تدعو نساء مصر لخلع الحجاب في ميدان التحرير بشكل جماعي، وأصحاب هذه الدعوة في نظري لا يختلفون كثيراً عن من فرضوه قهراً من البداية، مثلهم في ذلك مثل المعلم الذي حلق شعر طالبة في أحد المدارس لمجرد أنها لا ترتدي الحجاب. كلهم ينتهكون الحرية الشخصية للمرأة بشكل غير مقبول ويتدخلون حتى في أبسط حق لها وهو اختيار مظهرها سواء كان حجاب أو فستان مكشوف. 

إن ظاهرة فرض الحجاب الاجتماعي الذي نراه اليوم بالقوة على النساء ما هي إلا مجرد عرض لمرض عضال اسمه "حجاب العقل" أصاب المجتمع المصري في غفلة من الزمن على يد أبواق سياسية في عباءة رجال دين. وهذا النوع من الحجاب – أي حجاب العقل – هو ما يحتاج الثورة؛ ثورة شارع لتغيير طرق التفكير وثورة قانون تعيد للمرأة المصرية سلطتها على شكل حياتها بوجه عام دون أي تدخل من أي شخص ذو سلطة دينية أو اجتماعية أو اقتصادية عليها.

فعندما بدأ بعض الدعاة "المودرن" في الترويج لفكرة الحجاب منذ زمن قريب، لم يوجهوا حديثهم إلى النساء، بل إلى الرجال على طريقة "هل ترضاه لأختك." حتى كانت هناك فترة، ترى فيها الشاب يشترط على حبيبته – التي لف معها شوارع المحروسة لسنوات – إرتداء الحجاب في مقابل أن يدخل البيت من بابه ويتزوجها. وتحول الموضوع لموضة مع بداية الألفينات. 

ولو أجرى أي منكم استطلاع بسيط بين جيرانه أو في مكان عمله وسأل زميلاته عن سبب ارتدائهن للحجاب، لوجد أن غالبيتهم ارتدونه لأسباب بعيدة كل البعد عن الدين، وأنهم في أغلب الأمر كانوا مدفوعين برجل ما ذو سلطة عليهم مثل أب أو أخ أو زوج أقتنع برأي رجل دين أوهمه بأن رجولته لن تكتمل وأنه لن يرضي ربه إلا لو قهر إمراءة ما وفرض عليها ما لا تريد. وفي حالات شهدتها بنفسي، قامت أمهات بإجبار بناتهن على ارتداء الحجاب خوفاً من كلام الناس وطمعاً في فرص زواج أفضل من رجل "يتقي ربنا فيها" وكأن حجابها هي علامة أو ضمانه على تقوته هو!  

ومن سخرية القدر، أنه بينما ما زلنا في مصر مهتمين فقط بإجبار المرأة على لبس أو خلع الحجاب، فإن الإعلام الأمريكي يتباهي هذه الأيام بظهور "نور تيجاني" الشابة الأمريكية ذو الأصول الليبية كأول مذيعة محجبة على القنوات الإخبارية الأمريكية. وربما تكون تجربتي الشخصية كإمراءة محجبة أيضاً خير دليل على كيفية التعامل مع فكرة الحجاب في العالم، فلم يحدث أبداً أن انتقدني أحد في أي من المحافل السياسية أو العلمية التي أتردد عليها بشكل مستمر في جميع أنحاء العالم لأني أرتدي الحجاب، وهذا لأنهم لا يرونه أصلاً بل يروني أنا فقط. 

إن المجتمع المتحضر بحق ليس هو الذي غالبية النساء فيه محجبات أو غير محجبات، ولكن هو المجتمع الذي يتجاوز جسد المرأة ليراها ويتعامل معها كإنسان طبيعي بنواقصه ومحاسنه، بغض النظر عن مقدار ما تختار كل إمراءة أن تكشفه أو تغطيه في جسدها. المجتمع المتحضر بحق هو المجتمع الذي لا يعطي لنفسه الحق في إجبار المرأة على أي تصرف خارج إطار حريتها.

لقد تناسى أصحاب الدعوة لخلع الحجاب في ميدان التحرير أن القيود المجحفة ومظاهر التخلف الحقيقي التي تعاني منها المرأة المصرية وتضطر للتعامل معها بشكل يومي – بدءاً بالتحرش وانتهاءاً بالعنف الأسري – نتجت عن حبسها في أدوار تقليدية لا تتجاوز تكوينها البيولوجي ولم يأتي نتيجة لارتداء الحجاب. الحجاب مجرد عرض لمشكلة أكبر. وكم أتمنى أن تقوم في مصر ثورة حقيقية تكشف عن مجتمعنا "حجاب العقل" هذا حتى نصل إلى درجة من التحضر تجعلنا نتجاوز فكرة المرأة الجسد إلى المرأة الإنسان.


Wednesday, April 08, 2015

كيف نخرج بالعلاقات المصرية الأمريكية من المنطقة الرمادية



كانت العلاقات المصرية الأمريكية تسير في خط واضح كنور الشمس على طوال تاريخها، فمصر دائماً كانت بالنسبة لأمريكا إما في المنطقة السوداء المغضوب عليها كما كان الحال في عهد جمال عبد الناصر، أو في القائمة البيضاء التي تضم الحلفاء والمقربين كما كان الحال في عهد أنور السادات وخلفه حسني مبارك. 

أما تلك المنطقة الرمادية التي سقطت فيها العلاقات المصرية الأمريكية منذ ثورة يناير 2011 فهي أمر جديد تماماً في تاريخنا وتاريخهم، وهو الأمر الذي يطرح مائة علامة استفهام بشأن ما الذي تريده أمريكا من مصر بالضبط؟ 

إن المؤكد نفيه في محاولات الإجابة على هذا السؤال هو أن الإدارة الأمريكية الحالية لا تهتم كثيراً بالشأن الداخلي المصري، فكل حسابات أمريكا مع مصر تقوم فقط على الدور الأقليمي الذي يمكن لمصر أن تلعبه بما يحقق مصالح أمريكا في النهاية. ولعلكم ستندهشون لو علمتم أن الإدارة الأمريكية الحالية، التي قدمت نفسها للعالم من خلال الخطاب الشهير للرئيس أوباما في جامعة القاهرة عام 2009، بوصفها الراعي الرسمي للديمقراطية وحقوق الإنسان والمحفز الرئيسي على تحقيقهما في العالم، لا تهتم كثيراً بالتطور الديمقراطي ولا بتطور ملف الحقوق والحريات في مصر على عكس ما تدعي طوال الوقت. 

وأن ما تدعيه الإدارة الأمريكية من اهتمام بهذا الشأن ما هو إلا ورقة ذات وجهين، تستخدم أحياناً كوسيلة للضغط بشكل غير مباشر على الحكومة المصرية لتحقيق مكاسب إقليمية تصب فقط في مصلحة أمريكا، وتستخدم أحياناً أخرى كحجة تساعد الإدارة الأمريكية من وقت لأخر على تبيض وجهها في جلسات كشف الحساب الدورية أمام الكونجرس بدعوى أنها تحث دول مثل مصر على احترام الحقوق والحريات، لتبعد الأنظار عن فشلها الكبير داخلياً في حماية نفس الحقوق والحريات التي تطالبنا بها، والأحداث الأخيرة في ولاية ميزوري التي انتهت بقتل الشرطة للمتظاهرين دون أي معاقبة أو حساب، هي أكثر الأمثلة فجاجة. 

ولو كانت الولايات المتحدة الأمريكية تدعم حق المصريين في تحقيق الديمقراطية وما يترتب عليها من حقوق وحريات مدنية، فبما نفسر التناقض الشديد في موقفها من ثورة 25 يناير التي أيدتها بقوة لأن مصالحها مع نظام مبارك كانت قد أنتهت، وثورة 30 يونيو التي رفضتها تماماً بسبب مصالحها التي ما زالت قائمة مع نظام الإخوان، على الرغم من أن 30 يونيو كانت هي الأكثر شرعية وإلحاحاً. 

وربما السؤال الأهم، لو أن أمريكا حقاً تهتم بتدعيم التطور الديمقراطي في مصر، فلماذا توقفت عن دعم ورفع كفاءة غالبية منظمات المجتمع المدني لمجرد أنهم أنتقلوا من مربع الهجوم الأعمى على السلطة الحاكمة إلى مربع العون والمشورة والدعم، على الرغم من يقين الإدارة الأمريكية أن اللبنة الأولى لبناء أي دولة ديمقراطية هو تأسيس مجتمع مدني قوي.  

إن أهمية مصر بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية، نابعة وفقط من دور مصر الأقليمي على المستويين العسكري والدبلوماسي، وقد لمست بنفسي خلال زيارتي الأخيرة قبل أسبوعين للولايات المتحدة الأمريكية والتي التقيت فيها بدوائر مهمة في عملية صناعة القرار هناك أفتقاد شديد لدور مصر كحليف إقليمي للولايات المتحدة الأمريكية، حليف تستطيع أمريكا الاعتماد عليه في إدارة الأزمات التي لا تنتهي بدءاً من التوتر التاريخي في العلاقات الفلسطينية الإسرائيلية، ومروراً بالحرب على الإرهاب ومصادره المتشعبة، وانتهاءاً بالحرب الدائرة الآن في اليمن. 

وربما هذا ما يفسر لنا محاولات الإدارة الأمريكية الآن استعادة علاقاتها مع مصر من خلال رفع الحظر على بعض المساعدات العسكرية التي كانت قد أوقفتها أمريكا منذ سقوط الإخوان قبل عامين، خصوصاً بعدما فشلت أمريكا في إيجاد شريك إقليمي بديل على مدار السنوات القليلة الماضية.

وإن كانت أهمية مصر لأمريكا يكمن في كونها الأخت الكبرى في الشرق الأوسط، فهنا يجب أن نطرح السؤال الأهم: ماذا تريد مصر بنظام حكمها الحالي وسياستها وظروفها الحالية من الولايات المتحدة الأمريكية بالضبط؟ وهل يجب علينا أصلاً بذل جهد لاستعادة هذه العلاقات الاستراتيجية والتاريخية وإخراجها من الفجوة الرمادية إلى المربع الأبيض مرة أخرى، أم أننا لن نخسر كثيراً لو تركناها لتسقط حيث تشاء؟ 

يجب أن تعجل القيادة في مصر بسرعة استغلال تلك النافذة لإعادة ضبط العلاقة مع أمريكا كحليف وليس كتابع، وألا تنتظر مصر الإدارة الجديدة التي ستأتي بها الانتخابات في غضون عام ونصف لتنفيذ ذلك، لأنه بالرغم من كل الفواحش التي ارتكبتها إدارة أوباما وعلى رأسها دعم جماعة الإخوان الإرهابية، فإنها الوحيدة الأكثر تفهماً وتفاعلاً مع كل التحولات السياسية الضخمة التي حدثت في مصر منذ 2010 وحتى اليوم، وكما يقول المثل الأمريكي الشهير "التعامل مع الشيطان الذي تعرفه، أفضل من الشيطان الذي لا تعرفه." 

وهذا لا يعني التضحية بتحالفاتنا الدولية الأخرى التي تبدو متعارضة مع هذا التوجه، ومنها علاقتنا مع روسيا مثلاً، ذلك أن عصر العلاقات القطبية التي تعتمد على استئثار الدول العظمى بحلفائها دون منافسيها لم يعد قائماً، ونظرية الدول العظمى والصغرى أصلاً لم تعد ذات أهمية في منظومة العلاقات الدولية التي تحكم العالم اليوم، والمنطق يفرض علينا أنه بينما نحاول أن نفتح لأنفسنا أفاق جديدة مع حلفاء جدد، أن لا نخسر التحالفات القديمة. 

وتتطلب عملية إعادة التقييم من القيادة المصرية النظر إلى ما وراء العلاقات الاستراتيجية التقليدية والمساعدات العسكرية والاقتصادية المتعارف عليها، لأنه وبرغم التباعد الجغرافي بين البلدين، تستطيع مصر أن تستفيد من أمريكا فيما هو أكبر بكثير من مجرد التعاون العسكري والسياسي، ربما أكثر مما نستطيع تحقيقه مع دول أخرى أقرب لنا جغرافيا في أوروبا وأفريقيا والشرق الأوسط. 

لماذا لا تقوم القيادة المصرية مثلاً بعمل اتفاق مع الإدارة الأمريكية يستهدف فتح أبواب للتعاون الاقتصادي المباشر مع المستثمرين الأمريكيين، بالتوازي مع عمل اتفاقيات بخصوص تحرير عمليات التبادل التجاري بين البلدين كتلك التي عٌقِدت في عهدي مبارك والإخوان، وذلك ربما سيجعلنا نقطة جذب مهمة لشركات أمريكية كبرى اضطرت للاستثمار في الصين البعيدة جداً لامتيازات أقل بكثير مما نملكها نحن. 

بالتوازي مع ذلك، يمكن أن تستفيد مصر من الولايات المتحدة الأمريكية في مجالي التعليم والصحة، من خلال تشجيع الإدارة الأمريكية على توفير بعثات مجانية للشباب وصغار التكنوقراط لتبادل الخبرات، وفقاً لما تحتاجه مصر وليس وفقاً لما تقرره السياسة الأمريكية وفق مصالحها كما هو الحال في أغلب البعثات التي تتم الآن. 
ولا ننسى طبعاً، الدور الدبلوماسي الذي تستطيع أمريكا لعبه بالنيابة عن مصر في المحافل الدولية، لا سيما تلك المعنية بحقوق الإنسان والتحول الديمقراطي، أي أننا نستطيع بمجهود بسيط وتواصل أكبر أن نحول أمريكا من متصيد ومترصد إلى حليف متفهم وداعم دولي لمواقفنا ومدافعاً عنها أيضاً.

إن الفرصة متاحة الآن أكثر من أي وقت مضى لاستعادة علاقتنا بالولايات المتحدة الأمريكية على أساس من الندية وتبادل المصالح، كل ما علينا فقط هو حسن استغلالها دون تأخير أو مكابرة.