Sunday, May 23, 2021

مصر بحاجة لتعاون المجتمع الدولي لوقف العنف الإسرائيلي الفلسطيني

 


منذ بداية الجولة الحالية من الحرب بين غزة وتل أبيب، اتجهت كل الأنظار نحو مصر، إذ يتوقع العالم من مصر أن تلعب دورها التاريخي كـ "الشقيقة الكبرى" للعرب، وأن تتدخل لوقف، أو على الأقل تهدئة، القتال الدائر في الجوار بين الإسرائيليين والفلسطينيين. لكن بنظرة واقعية على الأمور، ما الذي يمكن أن تفعله الدولة المصرية بمفردها لإنهاء الصراع المحتدم حالياً بين إسرائيل وحماس، ناهيك عن تحقيق سلام دائم ومستمر بين الطرفين، في ظل حالة التخاذل واللامبالاة التي تبديها الولايات المتحدة والمجتمع الدولي تجاه الصراع رغم ضراوته.
إن الاقتتال الدائر حالياً بين غزة وتل أبيب هو أكثر المعارك تدميراً بين الإسرائيليين والفلسطينيين، منذ الحرب على غزة في ٢٠١٤، إذ أن خسارة المئات من الأرواح البريئة والأضرار المادية التي أصابت البنية التحتية والممتلكات الخاصة ليست سوى جزء بسيط من الدمار الأكبر الذي ينتظر منطقة الشرق الأوسط جراء هذه الحرب، والذي يتمثل في التكاليف غير المباشرة لإخماد المجهودات التي اتخذت في السنوات القليلة الماضية من أجل تحقيق السلام في الشرق الأوسط، بالإضافة إلى إعادة تمكين المتطرفين الإسلاميين والمنظمات الإرهابية وعودة خطابهم المتطرف إلى مقدمة المشهد السياسي.
بحسب الإحصائيات الأخيرة الصادرة عن وزارة الصحة الفلسطينية، في ١٩ مايو، فإن الحرب قد أودت بحياة ٢١٩ فلسطينياً، حتى الآن، بينهم ٦٣ طفلاً، فيما أصيب ما لا يقل عن ١٥٣٠ فلسطينيًا. بالإضافة لذلك، قامت قوات الطيران الإسرائيلية بقذف عدد من المباني السكنية والإدارية في غزة. حتى الآن، تم هدم تسعة مبانٍ، بما في ذلك مبنى مكون من ١٢ طابق كان يضم مكاتب إعلامية لكبرى المؤسسات الإعلامية الإقليمية والدولية. وبرر الجيش الإسرائيلي تدمير المباني بأنهم لديهم معلومات تؤكد أنها تستخدم كأماكن سرية لاجتماعات حماس وأنشطتها الاستخباراتية.
على الجانب الآخر، أعلن الجيش الإسرائيلي مقتل عشرة إسرائيليين، بينهم جندي وامرأتان، جراء إطلاق حماس للصواريخ على مناطق سكنية. بحسب أحدث الإحصائيات الرسمية نقلاً عن الجيش الإسرائيلي، أطلقت حماس أكثر من ٣٠٠٠ صاروخ على تل أبيب ومدن إسرائيلية جنوبية، لكن أكثر من ٤٠٠ صاروخ منها أخفقت وسقطت داخل غزة، ونجحت منظومة القبة الحديدية الدفاعية الإسرائيلية في اعتراض أكثر من ٥٠٪ من الهجمات الصاروخية لحركة حماس، بحسب تصريحات عسكرية إسرائيلية. داخل إسرائيل، بدأ العرب الإسرائيليون، الذين يمثلون ٢١٪ من سكان إسرائيل ومعظمهم من الشباب، في الاشتباك مع اليهود الإسرائيليين، وهو ما يدق ناقوس الخطر بشأن احتمال اندلاع حرب أهلية داخل إسرائيل.
يتابع كبار المسؤولين حول العالم تلك الأحداث المأساوية وقد أبدوا قلقهم تجاها، لكن القليل منهم قرر أن يتدخل بشكل عملي لإنهاء الحرب أو السيطرة على الأضرار المترتبة عليها. فقد أدانت الأمم المتحدة والمجتمع الدولي بالفعل العنف الدائر ودعوا إلى وقف إطلاق النار. كما أدانت جامعة الدول العربية والدول الأعضاء فيها، بشكل جماعي وبشكل فردي، تجدد الحرب بين الفلسطينيين والإسرائيليين، ودعوا للإسراع في إقامة السلام، ثم انصرف كل منهم ليمارس حياته واعماله كالمعتاد. حتى الولايات المتحدة تبدو منعزلة عن الأزمة الجارية. قياساً على ما جرى في المكالمة الهاتفية بين الرئيس الأمريكي ورئيس الوزراء الإسرائيلي، الأسبوع الماضي، يبدو أن إدارة بايدن غير مهتمة بالصراع الإسرائيلي الفلسطيني، على عكس الإدارات السابقة، وربما هي أيضاً غير مهتمة بالشرق الأوسط ككل.
إن مصر، بمساعدة محدودة من الأردن، هي الدولة الوحيدة التي اتخذت خطوات عملية على الأرض، أبعد من بيانات الشجب والإدانة، تجاه إنهاء الصراع وحل الأزمة. منذ بداية الأزمة أجرت المخابرات والدبلوماسية المصرية اتصالات يومية مع المسؤولين الإسرائيليين والفلسطينيين وقيادات حركة حماس في محاولة لتهدئة الصراع، وإقناعهم بوقف إطلاق النار والجلوس للتفاوض. كما فتحت مصر سيناء للمدنيين في غزة الذين يبحثون عن مأوى وبحاجة لمساعدة طبية، على الرغم من المخاطر التي قد تنتج عن ذلك على الحالة الأمنية في سيناء، وقامت الدولة المصرية بإرسال أطباء ومساعدات طبية إلى داخل غزة. وفي نهاية القمة التي عقدت صباح ١٨ مايو في باريس بين الرئيس المصري السيسي والعاهل الأردني الملك عبد الله والرئيس الفرنسي ماكرون، أعلن الرئيس السيسي قرار مصر تخصيص ٥٠٠ مليون دولار لإعادة إعمار غزة فور وقف الحرب، فيما بدا كمحاولة لتشجيع حماس على إبداء استعدادها للالتزام بالهدنة والتفاوض مع الإسرائيليين.
الجغرافيا قدر! مصر تقدر على وينبغي لها التدخل بكل ما تستطيع لإنهاء الحرب الدائرة حالياً بين الإسرائيليين والفلسطينيين. هذا ليس فقط لأن مصر هي الجارة المباشرة لغزة وإسرائيل، أو الشقيقة الكبرى للدول العربية. لكن الأهم من ذلك، هو أن مصر هي الدولة الوحيدة في منطقة الشرق الأوسط، وربما في العالم كله، التي تحافظ على علاقات متوازنة مع كل من الإسرائيليين والفلسطينيين، وليس فقط مع السلطة الفلسطينية ولكن أيضاً مع حركة حماس.
ومع ذلك، هناك حدود يفرضها الواقع لما يمكن أن تقوم به مصر في هذا الصدد. بينما تنسق مصر مع السلطة الفلسطينية للضغط على حماس لوقف القتال من جانبها، يجب على المجتمع الدولي، والولايات المتحدة تحديداً، موازنة جهود مصر بالضغط على إسرائيل لقبول اقتراح وقف إطلاق النار وقبول الجلوس للتفاوض مع حماس. يجب أن يحدث هذا مع الأخذ في الاعتبار أن دور الوسطاء الإقليميين والدوليين يجب أن يستمر إلى ما بعد إنهاء الحرب لضمان حل مستدام طويل الأجل للصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وليس فقط إنهاء الجولة الحالية من العنف.